للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

متنقلة من زهرة إلى أخرى بعزمة لا يتطرق إليها الملل.

فقل لأولئك (الكسالى) الذين حق عليهم القول إنهم يسرقون قوتهم هلموا فانظروا كيف تبتغي الحياة الشريفة من طريق الكد والعمل!!

لقد انكشفت حكمة الحياة لجماعات النحل فانطلقن يكدحن بعزم ومضاء، ولا قوت لهن إلا ما يصدفنه من المن، فإن العالم النباتي - ذلك الكيماوي الكبير - يقطر لهن الذهب فيستحيل إلى سائل عسليّ سائغ الطعم سهل المزدرد.

ولكن حسبك وانظر إلى الشمس، إنها تطرق أبواب المغرب تتهادى في غلالة ذهبية آية في الوراء، وتتسلل متباطئة خلف السحب المتقطعة القانية، وإن في فتور حرارتها وانحدار قرصها الأحمر ما ينذرنا بهجوم الليل.

رويدك أيتها الفارّة الحسناء، إن الأزهار الحزينة تنكس رؤوسها بوهن وخور فمديها بروح من عندك. .

أما وقد أظلنا المساء فلنعد أدراجنا ولنمر من بين تلك الأغصان المشتبكة لنلمح من خلالها الفضاء الأزرق المهيب الذي يسقف الوادي الفسيح المزدحم بالأكواخ وقد تكدست حولها كومات الأعشاب الذابلة، وإلى جانبها ينساب ذلك الغدير الفضيّ في حلة فضفاضة من حقول (البرّ وحشيشة الدينار) وهنالك على مدى البصر ترى غابات البلوط الكثيفة متلعة رؤوسها إلى السماء.

كل ذلك قد نسق بمهارة تنسيقاً يعجب الطبيعة.

فلله ما أسعد الرجل يشرب قلبه حب بلاده فلا يبتعد عن داره إلا بمقدار جولتنا هذه وهو لا يعدم خلالها وحشة تجذبه إليها حتى إذا عاد فوطئ عتبتها استشعر فرحاً وسروراً يحمد معهما العودة كما نحن الآن.

ذلك مثال مما يستقبل به الغربيون ربيع بلادهم، وهو وإن لم يخل من إبداع إلا أنه لا يعادل إبداع الطبيعة عندهم، فلقد خلعت على نواحيهم حللاً مفوّفة عريت من مثلها نواحينا، وصار حقاً على شعرائهم أن يبزوا شعراءنا في الإبانة عن خوالجهم كلما طلع عليها الربيع، فما صحيفة الشاعر إلى صورة لصحيفة الطبيعة في بلاده.

وذلك مصدر ما نراه من التباين في خيال الشعراء الغربيين والشرقيين، ولو أن لنا ما لهم