للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسرور والحب والكراهية واللذة والألم والترف والزهد والنعيم والبؤس وسائر ما في الحياة عذا ذلك من إحساسات ومشاعر ومظاهر ومناظر وعادات وأخلاق وعواطف ومنافع وما في الموت من سكينة ووقار ومن جمود وفناء وما بعد الموت من عوالم تملؤها الأرواح في سعادتها وتعسها وفي هيمنتها وتسبيحها وفي بقائها وتطورها، فمهما كان الاضطراب الذي يهز جوف العالم اليوم عظيماً فإنه منبع لأدب عظيم قوي في الغد، ولكنه فيما يتعلق بالحاضر وفيما يتعلق بنا نحن مخفت صوت الأديب المترنم فلا تسمعه الآذان المأخوذة بأرعاد المدافع وهزيم الطيارات ولا تهتز له القلوب الواجفة أمام الأخطار المحدقة من كل صوب وحدب.

لهذا كان الكلام في حال الأدب اليوم عرضة لأن يقع فيه شيء من الاضطراب ولأن ينسي صاحبه كثيراً من الأشياء المتعلقة بهذا الفن لأنه كما قدمت لحضراتكم مأخوذ بغيره، فإذا تكلمت أنا اليوم ووقعت فيما أخشاه فأرجوكم المعذرة، وما كنت لأقف وأتكلم في مسألة شأنها ما ذكرت إلا لما على كل محب للأدب من واجب نصرة مجلة البيان وتعضيدها.

الأدب في مصر اليوم أيها السادة خافت الصوت معقول اللسان، لعل صوته أشد خفوتاً في بلادنا منه في كل بلد آخر، بل ربما كان الخفوت في وصفه غير كاف لأنه في الحقيقة مختنق الاختناق كله، فلا نكاد نسمع بعمل يظهر من أعمال الأدب ذي قيمة، ولا أحسب ذلك شخصياً بالنسبة لي وراجعاً لأني لا أقرأ ما يظهر، بل أحسبه حقيقة واقعة، ولا شيء أدل على ذلك من أن جرائدنا - حتى الأسبوعية منها - مجلاتنا لم تتناول بالنقد إلا رواية ماجدولين التي استنبطها قلم الأستاذ السيد مصطفى لطفي المنفلوطي من رواية (تحت ظلال الزيفون)، وإلا قصيدة حافظ بك ابراهيم في مناقب عمر، أما ما سوى ذلك من المؤلفات والقصائد في الأدب فلم ينل من حق البقاء أكثر من يوم نشر، اللهم إلا بعض دواوين شعرية جمع فيها أصحابها المقطوعات التي كانوا قد نشروها من قبل في الصحف ويعثر الإنسان في بعضها على شيء جيد.

والسبب في هذا الخفوت، أو الاختناق، ووجوده عندنا أضعاف ما هو عند غيرنا أن أدبنا كان ولا يزال إلى اليوم صحافياً، أقصد أنه أدب قصير النفس غير مكتمل مواد الحياة، أدب هو ابن ساعته أو يومه، فكانت تروجه الصحافة التي كانت تعنى به عناية غير قليلة،