للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحقول هو بلا ريب أنقى من الهواء الفاسد الذي نعيش في صميمه في المدينة، ولا يحتوي ما يحتويه عيش المدن من الأتربة التي أكثر ما تكون خطرة فاسدة، ولأنه غير مفعم بالغازات السامة التي يحملها هواء المدينة، ثم إن فعل أشعة الشمس أشد أثراً في الريف منه في المدينة حيث الناس مختنقون في الدور المظلمة والمساكن البعيدة عن مهبط الشمس، والشمس من أكبر معدمات الجراثيم والنور من أشد أعداء القذارة والتعفن.

ونستطيع كذلك أن نزيد على هذا أن السكون والهدوء المستتب في القرى والريف يسكن الجهاز العصبي، وإن الإنسان في الريف أبعد ما يكون من الملاهي والملذات ووسائل الفساد والترف ويستطيع في الريف أن يتلهى برياضات تحصن الجسم وتنقي الروح، ولا يتيسر ذلك في المدائن.

على أننا لا نستطيع أن نجزم بأن المعيشة الريفية بريئة من العيوب من ناحية قانون الصحة، بل هناك ضرران عظيمان، ومنقصتان كبريان، إحداهما من ناحية المياه الصالحة للشراب، وثانيتهما المجاري والمصارف والبالوعات، إذ لا تجد في كثير من بلدان الريف ماء للشراب غير ماء الآبار ويجب اتخاذ الحيطة من هذا الضرب من المياه، لأن الآبار من العادة أن تحفر في أراضي متخللة كثيرة المنافس والنبعات قريبة من المساكن ولذلك قد تمتزج المياه القذرة والمياه الراسبة الآسنة بمياه الآبار وتفسدها وتلوثها بجراثيم أمراض خطيرة معضلة، وكذلك عدم وجود المجاري والمصارف التي تسوق هذه الرواسب والمواد البرازية التي تخرجها الحيوانات والناس إلى مسافات بعيدة عن الدور قد تحدث أضراراً لا يستهان بها ولو كان في مكنة الإنسان إذا أراد أن يجعل في الريف مقامه أن يجعل داره على منال ماء ظاهر متدفع غير آسن أو آبار صخرية عميقة الغور تخرج مياهاً نقية، لتحصن من شر هذه الآفة الضارة، وعندما يدور الزمن دورته ويتبين للشعوب الفوائد الجلى التي تعود على الناس من الهواء الطلق الطاهر والنور قد يجمعون الرأي على أن يكون بناء القرى الريفية على حال بريئة من هذه المضار.

ويجب على الحكومات أن تعمل على أن لا يلوث الهواء في المدينة بهذا الدخان الكثيف والروائح الكريهة والغازات والأبخرة الضارة التي أكثر ما تخرج الآن من البيوت المتجاورة المختنقة في المدينة ويجب أن لا تكثر هذه البيوت الصغيرة المعتمة القاتمة، بل