للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن الأمريكان أقرب إلى الفرنسويين أرواحاً ومشاعر منهم إلى الانكليز أو الاسكوتلنديين، والأمريكي لا يريد أن يلوح رزيناً ولكن البساطة - وهي الخلق السائد في ذلك العالم الجديد - تجعل الرزانة إذا هو اتخذها مضحكة متباينة، ولذلك - على الرغم من معارف ويلسون المتجهمة ولهجته القاسية التي تدل على حدة الطبع وحمية النفس، وتوقد الوجدان - لا ينبغي أن تحسب الرجل على رزانة مصطنعة غير طبيعية، ولا يجمل أن يظن الرجل متكبراً متغطرساً صلفاً كما اعتاد الناس أن يحسبوه ولكن من بين الفضائل التي أخذها عن أبيه وتعلمها عن والده هو أن يكون رجلاً بين الرجال، وكل إنسان عرف ذلك القسيس الشيخ المهذب، وإن لم يكن إلا أستاذاً للعلوم الدينية الغامضة - يعلم أنه كان يكسب فؤاد المرء بتلك الحرية والصراحة في الحديث التي يستمدها من قلب طيب كريم بين جوانحه.

فلما انتقل الأستاذ ويلسون من التدريس في الجامعة لكي يتقلد ولاية مقاطعة نيوجرسي كان الناس يذهبون إلى أنه سيصبح لعبة في أيدي السياسيين العمليين ولكن ظهر بعد ذلك أن نيوجرسي تلك المقاطعة الصغيرة أصبحت أرقى مقاطعات الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء والتشريع والحكم والإدارة، ولو أننا قارنا ويلسون وهو حاكم تلك الولاية به وهو اليوم على رأس مملكة عظيمة، لرأيناه في الأولى صغيراً بالنسبة إليه الآن، ولكن عندما يذكر تاريخ الماضي يعلم الناس أن أعماله في تلك المقاطعة كانت مثالاً من أبهر الأمثلة على رجل برلماني وقائد حمي يسوس الحوادث والرجال ويسوقهم إلى غرضه الذي يعمل له.

ولعل سائلاً يسأل عن الطرائق والصفات والمميزات التي جعلت حاكم ولاية جرسي قديراً على هذه المعجزات، فليعلم الناس أنه نقيض ما يحسبه الناس والصورة المعارضة لما كان يتأول القوم فيه، فلم يكن أستاذاً غامضاً عليه خشونة العلم وثقل روح العلماء، بل كان محبباً رفيقاً متسامحاً، وديعاً هادئ الطبع، يعرف الرجال ويعرف كيف يسوسهم أو بعبارة أخرى كان رجلاً مفكراً ودارساً باحثاً أوتي رزانة الغرض مع شيء كثير من روح الدعابة، فاستطاع بذلك أن يلقى جميع صنوف الرجال ويمتزج بهم ويكسبهم إلى صفوفه ويظفر بهم في جانبه، ويحركهم كما يحرك حجارة الطاولة وأدوات الشطرنج ومن هذا تعلم أن ويلسون لم يدرس شارلز ديكنز عبثاً وبلا جدوى.