للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكن لا ريب في أن هناك صفات أخرى كان لها الفضل في نجاحه الباهر وذلك أنه كان أميناً، شجاعاً، جلداً رابط الجأش، ولم يكن الرجل أخا عزة مصطنعة وكبر متعمل، ووقار متكلف، ولم يكن من أساتذة الجامعات المزهوين بأنفسهم المعتزين فإذا غلبته المصاعب، وعرضت شدائد لا يستطيع لها مغالبة، ترك مكتبه بكل سكون، وغادر كرسيه الهزاز ومضى إلى منصة المنبر يحدث الناس الحديث ويقص عليهم الأمر، وهو لا يعبأ بأن يقال عنه خطيب مكثار، أو متكلم خداع، بل يعلم أنه إنما التجأ إلى شعبه الذمي يحبه ويدافع من أجله، وينضح عنه.

وهنا انتقل إلى شرح الرجل من ناحية أخرى، فأقول أن ويلسون رجل إنساني، والمخلوقات الإنسانية لا تستطيع أن تثبت على قسوتها التي تحشدها للغرض الذي تضع نصب عينها ما لم توجد لنفسها شيئاً من اللهو لا تستطيع أية قوة أن تعيش بدونه، ولكن الأستاذ ويلسون تابع عمله إلى غرضه بكل ما تستطيع القوة الآدمية، وليس الأمر المدهش أن يكون ويلسون رئيساً للجمهورية، وأن يكون في هذه الساعة الرجل الصالح للرئاسة، بل لقد يكون ادعى للدهشة وأعجب لدى الناس، أن لا يكون كذلك، لأن تقلده الرئاسة ليس إلا نتيجة طبيعية منتظرة لإعداده نفسه منذ رجولته وتدريبه إياها في سبيل الرئاسة، وكما يدرب اللاعب نفسه ويمرن عضله وساقيه وشدة أسره لكي يظهر في ميدان المصارعة والألعاب الرياضية، ظل ويلسون يمرن نفسه لهذا المنصب العظيم الذي يتقلده اليوم وللساعة الرهيبة التي تبدو فيها عظمته العامة المعروفة في الخافقين ولم يكن ويلسون باحثاً طالب علم منذ صغره، إذ ورث ذلك عن أبويه والوسط الذي نشأ فيه، بل كان طول حياته بعد ذلك باحثاً يدرس الشؤون والعلوم والموضوعات التي تخلق برجل يتصدى للحياة العمومية، فقد كان يتناول الرياضيات - أي علوم الرياضة - في جرعات صغيرة تكفي لاجتيازه الامتحانات، حتى لقد روي عنه أنه كان في المدرسة يأخذ أقل درجة - أي النهاية الصغرى - في علوم الفلك، وإنما توفر على إجادة العلوم التي لا بد منها في الحياة العمومية، كالتشريع والاقتصاد السياسي والتاريخ، وهذه هي العلوم بأعيانها التي التجأ إلى تدريسها عندما كان يسعى على الرزق أستاذاً عادياً من الأساتذة، وبتدريسها كذلك زادت معارفه فيها وتوسعت معلوماته ولا أظن أن هناك أدباً من الآداب القديمة أو شيئاً من الأدب