للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فاتفق للشيخ محمد أبي زيد أن أقام في بلده ومسقط رأسه دمنهور ينشر دعوته ويبث تعاليمه، وفي دمنهور هذه يقيم عالم أزهري من العلماء الغيورين كذلك يسمى الشيخ عبد الباقي سرور وطائفة أخرى من العلماء، ولعل قراءنا قد سمعوا بتلك الحرب الدينية القلمية التي نشبت على صفحات إحدى الجرائد اليومية بين الشيخ عبد الباقي سرور هذا وبين الشيخ رشيد رضا والتي أفضت إلى أن رفع الشيخ رشيد قضية على صاحبه ثم انتهت بأن صالحتهما المحكمة، فكان ذلك مضافاً إلى كثرة تشنيع الشيخ رشيد على علماء الأزهر وتشهيره بهم واستطالته عليهم في كل عدد تقريباً من أعداد مجلته سبباً في حقد الأزهريين جميعاً على الشيخ رشيد هذا وعلى كل من يمتّ إليه بسبب.

فلما أخذ الشيخ أبو زيد يصدع بتعاليم دار الدعوة والإرشاد في دمنهور بين هؤلاء الواجدين على أستاذه مدوا عليه أعينهم وأحاطوه بأبصارهم فكان منه أنه جعل يعظ بكلام أستاذه ويخوض فيما رده الشيخ عبد الباقي عليه ومن ذلك نبوة آدم عليه السلام فقطع بأنها ظنية، ولم يحسن أن يعرض على الناس رأياً أكبر الإحسان فيه أن يخرج منه لا عليه ولا له، فأخذه بها القوم واحتسب أحدهم فرفع إلى المحكمة الشرعية دعوى تفريق بين الرجل وزوجه لأنه فيما زعموا قد مرق من دينه بإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وكان خليقاً بالمحكمة أن تكون فوق العواطف والأهواء وإن تستصلح الرجل إذا تبين لها فساده وتستتبه إذا قامت الأدلة على ذنبه وأن لا تقطع بكفره وارتداده قبل أن تيأس منه وتستفرغ جهدها فيه فإن الحكم بالكفر ليس كالحكم بالنفقة وإخراج الدين ليس كإخراج الدَّين، غير أن المحكمة قضت بالتفريق وأثبتت فسق الرجل من دينه فلم يكن منه - فيما نقل إلينا - إلا أن بعث بزوجه إلى أهلها حتى لا تكون التفرقة قهراً وإرغاماً وحتى لا يذهب رجال الشرطة إذ يذهبون لتنفيذ الحكم فينادون بكفره على باب داره فإن ذلك كفر آخر للدار بين جيرانها من مطلع الدرب إلى مقطعه. . . ثم رفع الشيخ أبو زيد استئنافاً عن الحكم تنظر فيه محكمة اسكندرية في اليوم الأول من شهر ديسمبر.

وليس من شأن البيان كما يعرف القراء أن يخوض في مثل هذه الأمور غير أن لنا كلمة في الردة وأمرها في الإسلام سنأتي بها كأنها تعليق على هذا الحادث الغريب ولعل فيها بياناً لشيء من الرأي إن شاء الله.