للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحي نفسها إذ تقول أن الضمة التي لم تبعث عليها القرابة وأواصر الدم والعشيرة لا تستحق أن تطرح، بل خليقة بالنوال والرضا، ولما كانت الفتاة مخلصة الطبيعة، نقية الغريزة، لم تر أية ضرورة للتردد والدلال والنفور إذ كان أمامها فتى عذب جميل كان مثلها يطلب السعادة والمراح فلا يجدهما، فتى وحيد حزين معتزل لا يود لو أن الناس فهموه، ولذلك كانت هذه الفرصة قاطعة والنتيجة بينة ظاهرة.

فما عتمت إذ ذاك أن وضعت في ذلك السكون يدها في يده علامة الود وشارة الصداقة.

وتنهد ليزلي وزفر، وقال: تالله لا أعلم السر ولكنني أعتقد أننا نستطيع أن يفهم كلانا الآخر.

وفي ذلك المساء بعينه التقيا مرة أخرى، ومشيا عن تراض واتفاق إلى الخمائل المعتزلة في بستان الفندق، وهناك اقتعدا مجلسين، مستندين إلى جذع سرحة عظيمة ولأن الحب نفذ إلى قلبيهما أشرق القمر، وبسط أشعته اللؤلؤية فوق أديم البحر وتغنت الرياح بغناء غرامي عذب، في أضعاف الفنان المشرقة فوق رأسيهما.

قال لزلي: وقد أدرك أن الشعراء لم يكونوا قوماً حمقى كما كان يظن. يا للذة والعزوبة الفاتنة. يخيل إلي أنني قد أصبحت مفهوماً آخر الأمر.

وهمست شيلا قائلة: وأنا كذلك تقريباً.

وإذا كانت شيلا رأت في عالم التصور والخيال أن هبوطها في أحضان رجل لذة لا حد لها، فلم تكن مع ذلك تدرك أولاً مقدار تلك اللذة، إذ تنفذ وتحقق، وتخرج إلى حيز الفعل، فما عتمت إذ ذاك أن أغمضت جفنيها الواسعين وتنفست من شدة العذوبة واللذة.

وزفر لزلي كذلك وتبين أن خير دواء للزفرات أن يعيد التجربة فأخذها بين ذراعية مرة أخرى.

وما أوسع المعرفة التي تنال من وراء القبلات، إذ لا يلبث الإنسان أن يدرك أنه لا بد من إعادة التقبيل، ولا يكاد المرء يطبع القبلة فوق الخد الأسيل حتى يشعر بأن لا قبل له بإمساك نفسه عن طبع أخوات لها وصواحب، وكذلك كان الحال مع شيلا ولزلي فقد وجدا من التحاضن والعناق لذة لا يستطيعان على السكوت عنها صبراًُ، لذة لا يمكن أن توصف بألفاظ، بل تكرر بمثلها وتعاد.