للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهل الأندلس بالمعروف منه - وفي الأندلس اليوم من أخواننا الأطباء نفر توفروا على هذا الكتاب يصححون أسماء عقاقيره ويعينون أشخاصها، ومنهم أخونا البسباسي والشجار وأبو عثمان اليابسة ومحمد بن سعيد الطبيب وكأنا بسيدنا الناصر أدام الله تأييده وقد أبى إلا أن يقر الأمر في نصابه، ويغمد السيف في قرابه، ويتم أمر هذا الكتاب على ما به، فطلب من أرمانيوس ما طلب، وكل ذلك من سيدنا فضل عناية منه بكل ما يجدي على بلاده ويسمو بها صعداً إلى أبعد مراتب العظمة الذهنية كما أبعدت به وبأسلافه في سائر ضروب الحضارة، وذلك لما فطره الله عليه من العزيمة النافذة والهمة الطموح البعيدة المرمى فلا يتعاظمه أمر، ولا تقف همته دون غاية. وحتى لا يحيك في صدر إنسان أن خلفاء بني العباس في المشرق، أو منافسيه الفاطميين في أفريقية قد سبقوه إلى شيء لم يسبقهم هو إليه، وأنت تعلم أن هذه الدول الإسلامية الثلاث هي أعظم دول الأرض اليوم شأناً، وأضخمها سلطاناً والقابضة على أزمة الأمور والمالكة أخصب البلاد من هذا المعمور، والمستبحر عمران بلادها إلى أكثر من المتوقع المنظور. والتي تعد سائر دول الأرض من هذه الأمم الحمراء كأنها تبع لها وعيال عليها، فتراها لذلك تتهالك في كل آونة على الازدلاف إليها، وتستنزل رضاها بالهدايا والتحف، وغريب النفائس والطرف، وتستصرخها بعض على بعض فتكون الحتوف، أسبق إلى المغضوب عليهم من السيوف

أنا إذا ما أتانا صارخٌ فزِعٌ ... كان الصراخ له قرع الظنابيب

ومن ثم ترى أن هذه الدول العظمى تتسامى في كل ما يكسبها حسن الأثر، وجميل الذكر، ويملأ مسامع الدهر حمداً وثناءً، وينبض له قلب الدنيا فخراً وعلاء، فتراها لذلك آخذ بيد العلم والعلماء، مالئة بأعطياتها أيدي الشعر والشعراء، حتى العلوم الفلسفية بجميع ضروبها من إلهية وطبيعية ورياضية وطبية وفلكية تعضدها وتغري القائمين عليها بالاستزادة منها والتقضي في البحث عن غوامضها، وتظهر الرغبة في الحصول على مآخذها من ملوك الروم الذين حشدت في خزائن كتبهم تواليف فلاسفة اليونان الأقدمين.

ولقد أقلعت بنا السفينة باسم الله مجراها من ميناء مسيني، وبكرت مع البازي عليه سواد، في فجر يوم الجمعة سلخ ربيع الأول، وذلك لثلاث عشر ليلة خلت من شهر جونيو الرومي سنة ست وخمسين وتسعمائة من مولد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام. وكان البحر