للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلب بصرخته الأولى الحلوة العذبة أن يوهب جزءاً عظيماً من الحب الذي ينعم به أبواه. والعبادة التي تجري في قلب الوالدين.

والحب والعبادة، كما تعلم، لا يزالان يشبهان كل شيء في العالم، فهما لا بد من أن يجيئا من مكان معين، ولا بد من أن يوزع بضائعهما شخص، وعلى شخص آخر أن يدفع ثمن الفاتورة فأما فيولا فقد وزعت هذه البضاعة وجاءت بالمتاع وكان الواجب على نوربرت أن يدفع الثمن فدفعه وهو لا يدري إذ ذاك أنه دفع شيئاً أو خسر شيئاً.

وأنت لا تجد في جميع روابط الخليقة رابطة أشد وآصرة هي أمتن من الطفل المولود للزوجين، ولئن كان هذا الوليد عيياً لا ينطق، أخرس لا يتكلم، ضعيفاً لا يستوي على قدميه، صغيراً عاجزاً مسكيناً، فهو لا يزال قادراً على أن يطفئ شعلة الحب أو يثير نارها، وهو يستطيع أن يحدث بصرخاته الصغيرة، وأعوالاته الضعيفة، ما لا تستطيع البلاغة أو يؤاتي السحر والبيان.

وأنتم ترون أن هذه قصة شخصين من أهل الدنيا يسميان نوربرت وفيولا، ولهذا ينبغي أن لا يأخذ الناس هذه القصة فيعدوها نظرية عامة، تنطبق على الدنيا كافة، فإن المتفق عليه إلى اليوم، والنظرية المسلم بها، والقضية المذعن إليها، هي أن الطفل هو الحلقة التي تربد الزوج وزوجه، والكماشة التي تمسك بالأبوين، فلا يفلتان ولا يتجافيان، وإن كان فريق عظيم من الناس ليسوا بحاجة إلى هذه الحلقة أو تلك الرابطة، لأنهما كانا مرتبطين ممتزجين متماسكين، قبل أن تظهر هذه الحلقة فتفصلهما عن بعضهما البعض، وإنما ينبغي في مثل هذه الشؤون أن تعرف مبلغ الحب الذي في مكنة الروح أن تهبه، والمقدار الذي تستطيع أن تصدره حتى يعم الزوج والطفل على السواء، وقد تجد الروح في بعض الأحيان عاجزة عن أن توزع الحب والعدل بالقسطاس المبين، وإذ ذاك لا يبقى على الروح إلا أن تسرق أحدهما لتعطي الآخر ولهذا نرى ألوفاً من الرجال يخطهم الشيب ويبين بياض الشيخوخة في فحمة رؤوسهم، ويعلو تاج المشيب تفاريق شعورهم، قبل أوان الشيب وعهد الشيخوخة، وترى العزاب والكارهين للزواج والمحتقرين حياة الأسرة، آخر الناس في إدراك المشيب، واشتعال الرأس بجلال ما في الشيخوخة من جلال.

وهكذا سرقت فيولا نوربرت لتهب إبنها ريشارد، وكان ريشارد آية من آيات الجمال