للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما يمل الدهر من إعطائه ... فكذا ملالته من الحرمان

ويقول:

وما أم خشف ظل يوماً وليلة ... ببلقعة بيضائ ظمآن صاديا

تهيم فلا تدري إلى أين تنتهي ... مولهة حيرى تجوب الفيافيا

أضر بها حر الهجير فلم تجد ... لغلتها من بارد الماء شافيا

فلما دنت من خشفها انعطفت له ... فألفته ملهوف الحوائج طاويا

بأوجع مني يوم شدت حمولهم ... ونادى منادي الحي أن لا تلاقيا

ويقول:

أما والذي لا يملك الأمر غيره ... ومن هو بالسر المكتم أعلم ... لأعلانها عندي أشد وآلم

وبي كل ما يبكي العيون أقله ... وإن كنت منه دائماً أبتسم

وبعد ذلك رأيت من الحزامة أن لا أطيل سبب المحاجة، فخرجت بالصمت عن لا ونهم، ثم أمر لي الأمير بعطاء سني، ثم أذن لي في الانصراف من حضرته.

جزائر ميورقة ومنوورقة ويابسة

وقبل أن أختتم هذه الرسالة آتي لك على شيء مما اعترضنا في طريقنا بعد أن انفصلنا من بلرم قاصدين المرية، فمن ذلك أنا ونحن إزاء جزيرة كبيرة تسمى سردانية أبصرنا أسطولاً كبيراً قادماً من ناحيتها، وقد علمنا أن هذا الأسطول هو أسطول المعز لدين الله، غزا هذه الجزيرة، وبلاد جنوة من بر الأرض الكبيرة، وغنم وسبى شيئاً كثيراً يخطئه العد والإحصاء وما خام في سائر غزواته عن اللقاء، على ما في ذلك من الغرر، إذ أن وراء هذه البلاد من أمم إفرنجة عديد الذر، غير أن المعز يفعل ذلك الفينة بعد الفينة، لأنه يعلم أن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبه عنه ألبسه الله الذل وسيما الخسف وديت بالصغار، وأن أمة من الأمم تريد أن تكون عزيزة مهيبة لا بد أن تغزو غيرها قبل أن يغزوها الأغيار، ورضي الله عن علي بن أبي طالب إذ يقول في إحدى خطبه: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا.

وهذه سردانية جزيرة كبيرة في غرب هذا البحر الرومي غزاها المسلمون حوال ٩٢