للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعجبك لحرمانك من هذه الساعات القلائل.

وإذا أردت أن تجيد فهم هذه النظرية فادرس قليلاً فيما يسميه (علماء الأمراض العقلية) بالحالة العواطفية للإنسان فهب أنك أرقت ليلة - فبت الساعات الطويلة نابي المضجع قلق الوساد، تتقلب على جمر الغضا وشوك القتاد. تطلب النوم ولا تجده. وتنصب له الحبائل ولا تصيده. فتجزع لذلك وتقلق. وتستشيط وتتحرق، وتعذب نفسك أسفاً. وتقطعها حسرة ولهفاً. فماذا تكون حالتك العواطفية؟ تكون ولا شك التفجع والتحسر والغيظ والجزع والتلهف. فإذا أصبحت فأخلق بك أن تكون هائج سريع الغضب سريع الانفعال - وبالتالي تكون شرساً سيء الخلق ضجراً متبرماً.

فإذا جلست على مائدة الإفطار مع أهلك وأسرتك فما أسرعك إذ ذاك إلى التسخط لأدنى تافهة من الأمر، والغضب من الوهيمات والخيالات مما لا وجود له إلا في ذهنك المضطرب وعقلك المشوش فتحدث المشاحنات بينك وبين أهلك فتغادرهم إلى محل عملك وأنت تعتقد أنهم ألب عليك وحزب ضدك وأنك فريسة ظلمهم وضحية جورهم.

ثم تحاول البدء فكأنما تحاول نسف الجبال. أو عد الرمال، فتذعن لليأس وتستسلم للوسواس.

ثم تغلق مكتبتك وتذهب للغداء وقد تراكمت عليك الأشجان. وامتلكت الهموم والأحزان فلا غرو إذا ظلت في هذا الحالة ولا تستمري مطايب الخوان. وتهيجك وتؤلمك مداعبات الأخوان. فإذا تناولت طعامك على انفراد أقبلت على نفسك تنغصها لما قد نابها من المنغصات. وتعذبها لما قد لحقها من عذاب تلك المكدرات.

وهذا يؤدي ولا شك إلى القبض وسوء الهضم. فتعود على محل أشغالك في المساء أسوأ حالاً مما كنت في الصباح ثم تغادره ليلاً أخيب مما غادرته ظهراً وتمضي على فراشك أخوف ما كنت من معاودة الأرق والسهاد.

ولو كنت تعرف حقيقة آفة الضجر وخفي أسبابها وعللها وطريقة علاجها ومداواتها لما كانت هذه حالك ولم تبت بليلة القائل:

فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع

يسهد من نوم العشاء سليمها ... لحلي الغواني في يديه قعاقع