للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذهني لا تزال تعظم وتتزايد حتى تصير داء مزمناً من الضجر.

ومن أشيع الأشكال التي يظهر فيها الضجر ويتراءى - التردد. وهذا التردد ينبعث عن علل ذهنية خبيثة أهمها الخوف الذي لا يزال يملؤك حذراً من إتيان الغلطات وخشية من عواقب أمور هي في ذاتها مأمونة العواقب على حد قول القائل:

ورب أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهن وجيب

وفرط سوء الظن بالناس هو الذي يغريك باتهامهم في كل ما يأتونه حتى تحسب أن كل لفظة أو حركة تصدر منهم هي أذى وإساءة موجهة إليك. فلا عجب إذا شبهنا هذا المرض الخبيث - مرض التردد - بضباب قريب متكاثف يحجب عنا حقائق الأشياء. فإذا لبثت في جوف ذلك الضباب حائراً مرتبكاً لا تدري أين تذهب فأحرى بك أن تبقى واقفاً مكانك فلا تصل إلى أي غرض البتة.

فالمخرج الوحيد من هذه الورطة هي أن تمضي قدماً في أي طريق مهما كان - هي أن تعقد أي نية وتبرم أي عزم. أجل اصنع شيئاً مهما يكن. فإن ذلك يخرجك من الضباب. إنه لا يبعد أن تذهب في طريق جائرة عن القصد حائدة عن الصواب فإذا كان ذلك فلا ضير عليك منه وحسبك أنك قد خرجت من الظلمة الحالكة حيث قد قضي عليك أن لا ترى شيئاً ولا تصنع شيئاً إلى حيث تستطيع أن تبصر وتميز فتعرف أنك في ضلال فتحاول الانصراف إلى الهدى.

مثال ذلك أنك قد تريد كتابة رسالة فتلبث ساعات تفكر ماذا تكتب وأي المذاهب تسلك متردداً بين ألف طريقة وأسلوب. فلقد آذيت نفسك وعذبت ذهنك ثم لم تصنع شيئاً.

ألا فاجلس فوراً إلى المكتب وخذ القلم والقرطاس فاكتب ما حضرك أياً كان فلعلك واجد في هذا الكلام المرتجل والمقال المقتضب ما هو قريب من بغيتك ومرادك ثم اعلم أن مجرد (عقد النية) وإبرام العزيمة - إن مجرد هذه الفعلة يعد ضرباً مفيداً م الرياضة الذهنية - وأسلوباً نافعاً من التمرينات العقلية. وأن قراراً محدداً وعزماً معيناً، إن فكرة إيجابية واضحة واحدة لهي خير من كل ما تنفقه سدى من ساعات التدبير العقيم والتفكير المجدب العديم النتيجة المشفوع بالحيرة والارتباك والقلق ألا فافعلن شيئاً. افعله بعد مقدار مناسب من التأمل والروية - ولكن افعله على كل حال.