للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مرقص مضاء بعدة مصابيح نحاسية أتهيأ لأداء فريضة الرقص على نغمات الموسيقى الحربي. وكانت القاعة غاصة بجمهور من الناس بينهم عدد عديد من الغانيات الحسان. ولقد كانت رفيقتي جديرة أن تفضل وتقدم على سائرهن وتعطى المكان الأول من بينهن لولا ما كان يشاهد في عينيها من تلك النظرة الغريبة المستوحشة المولهة. وقد لاحظت عليها أن عينيها لم تكن تطرف البتة. وأن معاني الإخلاص والوفاء التي كانت تنطق في عينيها لم تستطع أن تمحو سوء أثر تلك النظرات الغريبة الخارقة للعادة. ولكنها كانت مع ذلك رشيقة القد مستملحة الحركات مع شيء من الثقل والتقيد. ولما كانت في أثناء الرقص تستلقي قليلاً إلى الوراء وتميل جيدها الأغيد شطر كتفها الأيمن كأنها تحاول التخلي عن رفيقها لم يكن ثمت في الوجود شيء هو ألذ وطرب وأجلب للهوى. وأدعى إلى الصبا. وكان عليها حلة بيضاء مزدانه بصليب من الفيروذج على شريط أسود.

ثم سألتها دوراً ثانياً من الرقص وحاولت أن أحادثها فكانت أجوبتها ثقيلة تدل على عدم رغبة في الكلام وإن كانت لم تقصر في حسن الإصغاء والالتفات وعلى وجهها أثناء ذلك علامات عزوب الذهن واستغراق الفكر كالذي شاهدت فيها أول ما رأيتها. هذه الفتاة لم يكن يرى عليها أقل دلالة على الغربة في إيناس جليسها وتسلية عشيرها مع غضارة شبابها وجمال منظرها - لقد كان ثغرها لا يعرف السبيل إلى الابتسام والضحك وكانت عيناها مع دوام نظرهما إلى مخاطبها كأنهما تنظران إلى شيء آخر قد شغلتا به عن كل ما عداه. ما أعجب هذه الفتاة! ولما أعيتني الحيل إلى استمالتها واستلانتها فكرت في إخبارها بحادثتي السالفة.

فأصغت إلي باهتمام ولكن الحديث لم يثر في نفسها من الدهش والاستغراب ما كنت أتوقع، فكان كل جوابها هو: أليس اسم هذا الرجل فاسيلي؟ فتذكرت أن العجوز نادته بالأمس فاسينكا فقلت بلى إن اسمه فاسيلي، أعترفينه؟.

قالت: إن بهذه المدينة رجلاً قديساً اسمه فاسيلي فلعله هو.

قلت: لا دخل للتقديس والقداسة في هذا الموضوع فإنه لا يعدو كونه تأثير المغناطيسية وهو موضوع يهم الأطباء وعلماء الفيزيولوجيا والبسيكولوجيا.

ثم شرعت أشرح نظرية القوة المسماة المغناطيسية أعني إمكان تسليط إرادة إنسان على