للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بحر قزوين وجنوبه الغربي وكانت تعرف قديماً ببلاد ميديا. ثم انشعب فيما بعد قسم من هؤلاء فانخدر جنوباً إلى سهول بابل الممرعة الخصيبة فأسر الجاليات الحلامية القديمة ثم خالطها وامتزح بها على توالي الأزمان فكون معها الأمة الأكاديين وهم الـ الكوشيون الذين جاء ذكرهم في الإنجيل والتوراة فهذا الشعب الخليط أوجد بابل وأحدث نوعاً من الدين كان من أسمى مجاليه وأرقى أطواره أشبه بمذهب الحلول (مذهب ألوهية العالم أعني الاعتقاد بأن الله حال في كل شيء حتى يصح القول بأن كل شيء هو الله وأن الله هو كل شيء) أما في أسفل أطواره فإن هذا الدين بما فيه من عبادة الشياطين وآلهة الشمس والقمر وتضحية بالأطفال للإلهين بعل ومولوخ وتضحية عذر الأبكار للإلهين بلتيس وأستوريث وتحليل السفاح - فإنه آية على عصر اقترنت فيه المدنية الراقية بأرذل الفسق والفجور والفحشاء والمنكر وأباح الدين فيه استعمال العنف والقسوة.

ثم هاجر بعد ذلك من الوطن الأصلي الفرع السامي (نسبة إلى سام) فاقتفوا آثار الطورانيين ذاهبين غرباً حتى استوطنوا شمالي دلتا الجزيرة ثم قووا وتكاثروا فغزوا الدولة البابلية وقهروها وأسسوا مملكة مترامية الأطراف كانت لها السلطة والسيادة على جميع الولايات المجاورة أولئك هم الآشوريون الذي استتب لهم الملك واستكمل لهم الجبروت والصولة في مقر دولتهم المؤيدة المنصورة بين النهرين العظيمين دجلة والفرات فارتقوا حيناً ما إلى منزلة الديانة التوحيدية (القول بوحدانية الله) كما تشهد بذلك تعاليمهم الدينية.

وبينما كان السواد الأعظم من الجالية السامية يتدرج في مراتب التقدم والرقي ويأخذ في أسباب القوة والتكاثر في أعلى الدلتا انحدرت فئة قليلة نحو الجنوب إلى بقعة يقال لها يور داخل حدود المملكة الكلدانية. وكان لهذه القبيلة زعيم وقد حكم على نفسه بالنفي والطواف في الأرض. هذا الزعيم هو والد الذين تألف منهم التاريخ في المستقبل. أما سيرة هذا الرجل وما تضمنت من منفاه وتجولاته اندمجت في سلك الأساطير المقدسة لعدة من الأديان.

ولعل الأسرة اليافثية كانت أطول تلك الأسرات مكثاً في المواطن الأولى. فبينما الشعوب الأخرى التي انشعبت عن الجرثومة الأصلية كانت تؤلف دولاً وتحدث أدياناً كان الفرع اليافثي يتطور على أسلوب خاص به. لكن سير الأمم الذي بدأ لم يكن ليوقفه شيء. فجعلت