للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القبائل واحدة أثر أخرى تهاجر نحو الغرب مدفوعة بروح القلق والتطلع الغريزية في القبائل الهمجية أو بضاغط التزاحم والتكاثر وضيق المجال وطلب النجعة في مواطنهم الأصلية. فأول من هاجر من القبائل اليافثية البلجيون والكلت. ثم تبعهم قبائل أخرى حتى لم يبقى في المواطن القديمة إلا الآريون الأصليون. فقسم من هؤلاء كان يقطن جوار باداخستان وقسم عند بلخ حيث لبثا قروناً عدة منعزلين عن الأمم المجاورة لا يتأثران بحروبهم ولا بحركاتهم. وأن ضوء التاريخ الذي طلع فجره على الشعوب الغربية مؤسسي الممالك والمدنيات ليسقط شعاعه أيضاً على هؤلاء الأقوام القديمة ويجلو لنا كما لو كان من وراء غيم وضباب عدة قبائل منها على تلك الهضبة حتى نراها قد برزت من الوحشية إلى الهمجية وأخذت تشعر بوجود معنى روحاني يعم الكون ويشمل الوجود أجمعه. في ذلك الحين أخذت الأفكار الروحانية تحل محل القوى الطبيعية والظواهر الكونية التي ما برحت حتى ذلك الحين تعبد من أولئك الأقوام عبادة خوف وخشية مشفوعة بالرعشة والارتجاف فجعل بعض هؤلاء الأقوام يرجعون كافة المعاني والتصورات المنتزعة من القوى الطبيعية والظواهر الكونية إلى مصدرين أساسيين - النور والطلام - فجعلوا الشمس بشير الحياة والنور رمز الإله والخير الذي بالرغم من احتباس قوته وتقيد صولته سيفوز فيما بعد على قوة الشر والظلام ويقهرها. وعند البعض الآخر من هؤلاء الأقوام كانت المعاني والتصورات التي أصبحوا ينسبونها للوثن الذي كانوا يعبدونه من قبل تتداخل وتتدامج بعضها في بعض - فأحياناً تبدو كوحدات كاملة شخصية متفرقة متميزة وأحياناً تتضام وتتلاحم حتى تصير شيئاً واحداً. وبعد ذلك نرى سحب الغموض والإبهام تنجاب وإذا بتلك التألفات القبلية والتكونات الفصائلية قد تحولت إلى تألف النظامات الملوكية وإذا بالمشروعات الزراعية قد حلت محل رعي الماشية وسوم البهائم وشرع في إيجاد الصنائع والفنون الأولية، وانتشر استعمال المعادن، وأهم منكل هذا هو أن فكرة وجود شخصية عليا مسيطرة على الوجود أجمع أخذت تتسرب إلى تلك الأذهان المقفلة وتكره نفسها على الدخول فيها عنوة وقسراً. فالملوك الأقدمون أمثال كيومورز هوشانج وغيرهما ممن شاد بذكرهم وتغنى بحديثهم شاعر الفرس الأكبر الفردوسي بشعر يسحر الألباب هو أمثلة ونماذج على مدنية تتقدم وترتقي. والظاهر أن دخول النظامات الملوكية في القبائل الآرية