للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال القزم للفتاة بنوع من التغزل (نحن رهناء أدنى إشارة من السيدات - وطوع بنان الجنس اللطيف) قال ذلك وحدثته نفسه البشرية والطبيعة الغريزية - تلك الطبيعة التي تحنو وتتحدب على جميع أولادها، ولا تترك أشقى المخلوقات وأبأسهم وأشدهم تشويهاً وأكثرهم علة وآفة بلا عزاء طفيف من اعتداد بالنفس واعتقاد بأن لا تخلو من بعض المحاسن والمزايا - تلك الطبيعة حدثته بأنه قد أجاد وأحسن في رده على الفتاة وأن جوابه الخلاب لا بد قد أصاب حبة قلب الغادة - وهنا غرق ذهنه في لجة من الخيالات العذبة والأحلام اللذيذة ثم أن الأوهام الجنونية القديمة والخواطر المتهوسة العتيقة التي ما برحت تحوم على الأبواب التي يحرسها العقل والرأي الصحيح وما فتئت تنتظر غفلة العقل وترقب غرته - إذ كانت تعلم أنها إذا حاولت الدخول طردها العقل رفساً بالقدم مع التحقير والإهانة - هذه الأوهام الجنونية القديمة والخواطر المتهوسة العتيقة هجمت على تلك الأبواب في هذه الفرصة وتهافتت متكاثفة متراكمة يطأ بعضها على أعقاب بعض وهي في حالها هذه مبهمة متقطعة غامضة خجلة ن نفسها ولكنها تتزاحم وتتضاغط في أعماق الفؤاد حتى حمي الفؤاد واستحر من شدة احتكاكها واصطكاكها - وإليك بضعة أمثلة من هذه الأوهام الجنونية والأفكار المتهوسة: ألا تذكر أن جون ويلكيس أقبح الناس خلقة وأبشع أهالي إنكلترا صورة قال لبعض أصحابه أني إذا سبقت أجمل الرجال إلى لقيا أي سيدة بمسافة نصف ساعة فقط ضمنت لكم أن أصيبها وأسبينه فأستحوذ على لبها بما لا يدع فيه محلاً لغيري؟ (٢) ألا تذكر كاديناس الشيخ الأشيب الهرم المتوحش الهمجي يقتاد الغانيتين الفتانتين (ستيلا) و (فانيسا) وقد استهواهما وأسر لبهما؟ (٣) ثم يهجس بعد ذلك ببيت من الشعر:

وكأن تحت لسانه ... هاروت ينفث فيه سحراً

فكأنما يقول لنفسه أن المعول في استياء قلب المرأة إنما هو على اللسان الخلاب والمنطق الجذاب وليس على الخد الأسيل والطرف الكحيل والمنظر الجميل. أجل إن خلابة المنطق وسحر البيان هو الذي ما زال يفتن ويستهوي حواآتنا من قديم الأزل ألا تذكرون أن أبشع الحيوانات طراً وأقبحها هو الذي فتن أمنا الأولى وبذلاقة لسانه واستهواها حتى أقبلت عليه تصغي لزخرفة أباطيله وتمويه أضاليله - فوق الشر والبلاء.