للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمستند. فياويلتا إني أمد يدي أبتغي ما أركن غليه وأتشبث به فلا أجد، بل أراني في عالم من المعنويات، أرى خريطة الحياة تنشر عارية خالية أمامي وأرى شبح الموت يتمشى في القفر الخراب لاستقبالي لقد كنت لا أبصر ذلك الشبح في صباي لتزاحم أفواج المرئيات والعواطف على قلبي وبصري ولاعتراض شخص الأمل بيني وبين الشبح المخوف يقول لي (لا تكترث لذلك الشيخ الهرم ولا تحفل) أما وربك لو كنت عشت عيشة سعيدة رغداً لما حفلت بالموت ولا باليت. ولكن كيف لا أحفل بالممات ولا أبالي وما قضيت من عيشتي وطراً ولا بلغت أملاً. لقد خانتني الآمال الكذابة وخدعتني الأماني الخلابة ثم راحت وهي تسخر مني وتهزأ وإني ليعز علي أن أترك الحياة ولم أر الإنسانية تظفر بأقل ما كنت أرجو لها في صباي من الأوطار والمآرب، أو ترقى إلى أدنى ما كنت أبغي لها من منازل السمو ومراتب الكمال كما أني لا يسرني أن أموت ولم أترك ورائي مؤلفاً جليلاً أو مصنفاً سامياً نبيلاً. وبودي فوق ذلك أن ألقي لدى فراش الردى إذا جاءت سكرة الموت وأخذ الحمام بالكظم صديقاً صدوقاً ورفيقاً رفيقاً يشيع جنازتي ويحثو تراب حفرتي. فبهذه الشروط ألقى الحمام مستسلماً إن لم أكن مرتاحاً وأكتب على قبر (شاكرٌ راضٍ) ولكني قد قتلت نفسي تفكيراً وتأملاً فيعز علي أن يذهب كل هذا التفكير والتأمل ضياعاً. وإني إذا استدبرت ماضي خيل إلي كأنما قضيت عمري نائماً في حلم علىسفح جبل العلوم حيث جعلت أتغذى بالكتب والأسفار والآراء والأفكار لا يصل مسمعي من ضجة العالم وجلبة الإنسانية المحتشدة في الحضيض إلا صدى أقدامهم ودوي ضوضائهم فلما انتبهت من هذه الحالة المبهمة (الشفقية) بضجة موكب الإنسانية السائر تحت قدمي آنست رغبة في النزول إلى عالم الحقائق للدخول في حلبة ذاك السباق، ولكني أخشى أن يكون وقت ذلك قد فات وأنه أولى لي أن أعود إلى خيالاتي الكتيبة وأحلامي المدرسية. وما لي ولأهل هذا العالم لست منهم ولا هم مني وما كنت لأروعهم بغرابة منظري وشذوذ فكري وإني كأصحاب الكهف لو طلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً.

ليس عجيباً أن ادكار الموت وتأمل معناه يصبح أكتر تردداً على خواطرنا كلما ازددنا منه دنواً وإن عباب الحياة يزداد جزراً وانكشافاً كلما برد في عروقنا دم الشباب وجف فيه معينه. وأنه كلما أبصرنا جمع ما يكتنفنا ويحيط بنا من الكائنات عرضة للطوارئ