للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وضجة. فكان الناس يجرون وراءها لاختلاس نظرة أو لمحة إلى الزهرة المسكوفية وكان ضمن عشاقها الوزير الأكبر الكاردينال ريشيليو فقد بلغ من حبه إياه أنه كان يجن بها شغفاً وأوشك من فرط جفائها وقسوتها أن يذبح نفسه. وكان النساء في ذلك الحين يقامرن. فخسرت جدتي في إحدى الليالي مبلغاً هائلاً للدوق دورليان، فلما عادت إلى دارها أخبرت جدي بخسارتها على مائدة الميسر وسألت دفع المبلغ. وكان المحوم جدي ينزل من زوجته الجبارة المتكبرة منزلة وكيل الدائرة من السيدة المطاعة الثرية. فكان يخشاها خشية السبع الضاري. والنار، والسيف البتار، ولكنه لما سمع بتلك الخسارة الفادحة خرج من سجيته وزايله عقله فأحصى خسائرها وأنبأها أنها قد بددت في ظرف ستة أشهر ما لا يقل عن نصف مليون فرنك وأن ضيعتيها العظيمتين - ضيعة موسلو وضيعة سارتوف ليسا كائنتين في باريز وأنه يرفض طلبها بتاتاً. فضربته جدتي على صماخ أذنه بجمع كفها ضربة قاسية ونامت بمعزل عنه تلك الليلة علامة على سخطها وغضبها. وفي الغداة استدعت زوجها وهي ترجو أن تكون تلك العقوبة المنزلية قد أثرت فيه وألانت من شكيمته ولكنها وجدته كأصعب ما كان جماحاً لا يبض حجره ولا تندى صفاته. فشرعت لأول مرة في حياته تناقشه الحساب وتجاذبه أهداب المجادلة والمحاجة وكان شأنها معه قبل ذلك أن تأمر فيطيع وتطلب فيجيب - فأخذت تباحثه وتحاجه وتقدم له العلل والأسباب والشروح والتفاسير أملاً في إقناعه بإفهامه أن الديون ليست كلها سواء ولا يصح أن ينظر إليها بنظر واحد ولا أن تنزل منزلة واحدة من الأهمية والخطورة، وأن هنالك فرقاً عظيماً بين الدائنين إذا كان أحدهما برنساً عظيماً وكان الثاني بقال الأسرة أو خياطها.

كل هذه المجهودات والمساعي ذهبت هدراً وضياعاً على صخرة عناده الصماء كما تتمزق أمواج الخضم على ساحله الحجري. ماذا تصنع جدتي لقد ضاق ذرعها واسود بياض النهار في بصرها. فأخذت تتأمل وتتدبر وتتلمس وجوه الرأي. والحاجة تفتق الحيلة فتذكرت رجلاً نبيلاً كانت عرفته آنفاً ولعلكم سمعتم برجل يدعى سان جرمان وكان يعرف بحدة الذكاء وقوة الشخصية والقدرة على إتيان الكثير من العجائب والخوارق. وكان يزعم أنه اليهودي التائه وأنه مستكشف أكسير الحياة وحجر الفيلسوف وهلم جرا. فكان بعضهم يراه دجالاً. وقال عن المؤرخ كازانوفا في مذكراته أنه كان جاسوساً ولكن مهما قيل عنه