للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فواأسفا على الإنسان ووارحمتا به فإن كل ساعة تمر تفتح قبراً بين القبور الإنسانية وتستذيب فؤاد الصابر الجلد وتستنزل دموع الأبي الأصيد ثم سئمت تلك الحياة التي ابتسمت لي زهرتها في الأيام الولى ومللت من ترديد أفكاري وأخذت أفتش في زوايا القلب وأحفر في قبور نفسي عما أبتغيه فلم أهتد إلى شيء ولكن خيل لي أن الغابات تؤنس من وحشتي وتجلى من حزني وقد استبدلت بي فكرة إذهاب حياتي في منفى ريفي ولم يكن قد مضى من حياتي سوى سنوا قلائل كنت أشعر أني قد عشت فيها الأجيال المتطاولة وقد حبذت تلك الفكرة وأقبلت عليها بالحماس الذي كنت أفيضه على كل ما يسنح ببالي ويهجس بخاطري وأسرعت في الانتقال لا تواري عن العالم في كوخ وقد كنت متهماً عند الناس بتقلب في الأميال وذبذبة في الأهواء وقد طالما أسحوا وأهضبوا في حديث عجزي عن البقاء على وتيرة واحدة وأسلوب متشابه وقالوا أني رهينة لكل عصاف من الأماني فريسة لكل جامح من الأهواء وإني شديد الرغبة في سرعة النفوذ إلى أعماق المسرات كأنما يضجرني بقاؤها واسترارها وكنت منسوباً إلى أني أتخطى حدود رغباتي وأجاوز دائرتها وإني من المسترسلين في البحث وراء كمال مجهول تحدوني على طلبه فطرتي وماذا على من العاب إذا كنت أرى في كل ما يحوطني حدود لرغباتي العريضة وأماني نفسي الواسعة البعيدة وقد صرت أشعر في تلك الأيام برغبة في توالي إحساسات الحياة وتكرارها وبقائها على طراز واحد وعندما كان يعتادني في بعض هذه الأوقات وهم البحث عن السعادة كنت أنقر على مكامنها وأفتش على مواطنها فيما ألفته وتعودته وقد كانت تتغشاني غشية ازاء سكون الطبيعة الخرساء تنقلني إلى حالة يعجزني وصفها ولقد كنت بعيداً عن الأهل وحيد من الخلان ولم تكن أشعة الحب قد أشاعت في نفسي أضواءها وصرت أشعر بثقل حمل الحياة وكنت أحياناً يصيبني الخجل فجأة وأظن أن أنهاراً من الأمواه الحارة تتدفق في نفسي وكنت في بعض الأوقات أرسل صيحات وصرخات على غير إرادة مني وكنت أبيت بليلة الملسوع تطرفني الأحلام المخيفة وتتأوبني الخيالات الرهيبة وكان يعتادني الأرق فأغتال الليل مسهد الجفن مشرد الفكر وكنت في افتقار إلى ما أملأ به هاوية حياتي فكنت أهبط الوادي وأفرغ ذروة الجبل ناشداً في كل منهلة طالباً في كل مكان تلك الصورة الخيالية لحبي المقبل وكنت أقبلها في الرياح وكنت كأنني أسمع صوتها الندي في خرير