للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدوثه وفطنت المرأة إلى حقيقة أمري وكنه حالي واطلعت على خبايا ضميري وقرأت صفحة الماضي في مطاوي سريرتي فعرفت ما كان يلقح جوانحي وينضج كبدي من تلك الذكريات الأليمة والهواجس القديمة. وعلى هذه الحال انقضت العودة - أنظر إليها وتبتسم إلي. فلما بلغنا باريز قبضت على يدي وقال (واها. وها) فأجبتها والعبرة تختفي (خبريها إذا شئت) ثم فاضت دموعي.

ولما فرغنا من الغداء وجلسنا إلى النار قالتأوقد نفذ السهم وقضى الأمر؟ أو ليس لما فات من رجعة؟ أم لارد لذلك القضاء ولا دافع. أفلا سبيل ولا حيلة؟

فأجبتها واحزناً وواأسفاً! يا سيدتي اعلم أن الحزن لا شك قاتلي. وإن أمري لينحصر في هذه الكلمة وهي: لا أستطيع أن أحبها وليس في وسعي أن أحب سواها ولا طاقة لي أن أبقى بلا حب. فهزت رأسها عند سماع كلمتي هذه وتبينت في وجهها أثر الرحمة والرثاء ولبثت برهة طويلة تفكر وترجع كرة الذهن في ماضي حياتها كالتي تبحث عن صدى في أعماق قلبها. وقد أسدلت من أهدابها حجاباً على عينيها واستغرقت في لجة من الذكرى. ثم مدت إلي يدها فدنوت منها وقالت وأنا أيضاً قد جربت كل ذلك ثم خنقتها العبرة فسكتت.

لعاطفة الحب لدات وأتراب فمن أجمل لداتها وأملح أترابها عاطفة الرحمة.

أمسكت بيد مدام ليفازير وكدت أضمها بين ذراعي وأخذت تسرد على مسمعي كل ما استطاعت أن تذكره من محاسن حبيبتي شفاعة لها عندي. وجعلت تقول في سبيل الاعتذار عنها بمقدار ما تقول في سبيل الرثاء لي والترحم علي فاشتد حزني وشجني. فماذا أقول؟ هذا وأن مدام ليفازير شرعت تتكلم عن نفسها.

فما قالت لي في هذا الصدد أنه كان لها عشيق فهجرها. وأنها ضجت من أجله ضحايا عظيمة فخاطرت بثروتها وشرفها معاً واستجلبت وعيد زوجها وتهديده وكانت قصتها ممزوجة بدموعها فأنستني أحزانها أحزاني. وأذهلتني بأشجانها عن أشجاني. وقالت لي إن تزويجها من زوجها هذا كان على خلاف رغبتها وبعد جهاد طويل وكفاح عنيف. على أنها إن أصبحت اليوم حزينة فما ذاك إلا لأنها أصبحت لا تجد من يحبها ويهواها. وآنست منها أنها كانت تنقم من نفسها عجزها عن استبقاء ذلك الحبيب واحتجاز قلبه لديها حتى أوجدت له سبيلاً إلى تركها والتخلي عنها وتعزو الذنب في ذلك إلى نفسها بتنكبها سبيل الحفاظ