للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عقائدهم وأديانهم. فأما اليهود فقد كان الاعتداء والسطو والاستئصال والإبادة مما تحلله وتجض عليهم شريعتهم بل كان حقن الدماء واستبقاء العدو مما يستوجب لعنة الله في عقيدتهم.

وأما أهل الصدر الأول من المسيحية فسرعان ما نسوا وأهملوا ما كان أوصى به المسيح من فضائل التواضع والخشوع والحلم والوداعة حينما اشتد بأسهم وقويت شوكتهم. فما كادت المسيحية تصير الدين الشائع لطائفة من الناس حتى استشعرت خلال الحيف والجور والاضطهاد. ولقد قارن كثير من المؤرخين بين عيسى ومحمد - فمن كان منهم مقتنعاً بألوهية عيسى ذهب إلى أن الوسائل الدنيوية التي استخدمها محمد لإصلاح أمته لم تكن إلا (وحياً شيطانيا) وأن انصراف عيسى عن هذه الوسائل (ولعل ذلك كان لعدم سنوح الفرصة ومساعدة الظروف) من أوضح الدلالة على ألوهية عيسى، وسندلي بالحجج والبراهين الدالة على سخف هذا الكلام وبطلانه وما فيه من البعد عن جادة الصواب والجنف عن محجة السداد وإنه كذب على التاريخ وافتراء، بل مناقض للطبيعة البشرية.

لقد كان ثمت بون شاسع بين الظروف والأحوال التي عاش فيها محمد والتي عاش فيها المسيح. كان نفوذ عيسى أثناء مدة زعامته القصيرة مقصوراً على فئة قليلة من أتباعه كلهم من طبقة العوام الوضيعة. ولقد ذهب عيسى ضحية ما أثار من الحنق على نفسه بمطاعنه من أكاذيب الطبقة الدينية في عصره - ضحية بغضاء أمة عنيدة قاسية - وذلك قبل أن يصبح لأتباعه من كثرة العدد وقوة النفوذ ما يدعو إلى وضع القوانين العملية للسير عليها والاهتداء بها في مسالك الحياة - وقبل أن يؤسسوا نظاماً لنشر تعاليمهم الدينية أو الاتقاء سطوات أهل الدين الشائع يومذاك. وذلك أن أتباع عيسى لما كانوا قد انشعبوا من أمة عظيمة الشأن ذات قوانين ثابتة موطدة تقوم بتنفيذها حكومة قوية - فقد أعوزتهم لذلك الفرصة لتأسيس نظام، وكذلك الأستاذ الزعيم عيسى لم يجد ثمت داعياً لوضع القوانين العملية الأخلاقية. زلكن القوم أحسوا بهذه الحاجة حينما عظم شأنهم وكثر عددهم، ثم ظهر رجل عبقري متضلع من كنوز الحكمة الأفلاطونية الجديدة فألف هذه النابغة من الأصول والقوانين والآداب نظاماً محا ماامتازت به تعاليم المسيح من البساطة وسائر الخصائص التي انفردت بها تلك التعاليم.