للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعظم من جيش الأفارقة - واقتفوا آثارهم حتى بلغوا ضواحي تونس - وهي غنية بتجاربها الواسعة يسكنها كثير من تجار اليهود الأغنياء فحصروها براً وبحراً وألحوا في الحصر، فلما رأى أهلها أن الخطر محدق بهم عرضوا أن يسلموهم المدينة وقدموا مبلغاً كبيراً من المال إلى الحاجب ابن شهيد، وقدموا إليه كذلك أنسجة من كل نوع وطرفاً من الحلي وذهباً وحجارة كريمة وملابس من الصوف والحرير وأسلحة وخيلاً وعدداً عظيماً من الأرقاء، ثم غنم عدا ذلك سفن الميناء وأثقالها وضمها إلى سفنه وكر راجعاً إلى الأندلس.

* * *

ومن سننهم التي مضوا عليها وجرات عادتهم بها أن يحتفلوا بالأسطول عند رجوعه ظافراً من حرب، فتقوم الأساطيل بألعاب وحركات بمرأى من عظماء الدولة ومسمع، كأنها في حرب مع الأعداء فاتفق في اليوم الذي وصلنا فيه إلى المرية أن آب الأسطول الأندلسي رافعاً أعلام النصر في هذه الواقعة، فأمر أمير البحر عبد الرحمن بن رماحس بأن تقوم الأساطيل بألعابها، فما كان منا إلا أن بادرنا إلى إمتاع أنفسنا بمشاهدة هذه الألاعيب صحبة الأمير، فذهبنا إلى الميناء - ميناء المرية - فوجدنا ثمت في انتظارنا مركب كبيراً كأنه رضَوى أو ثبير، أو الأمل الكبير، فدعينا إلى النزول فيه، ثم أخد لأمير ابن رماحس في أن يرينا ما في هذا المركب من بروج وقلاع ومناظر وتوابيت ومن منجنيقات ومكاحل بارود ونفط - ومن نوتية ومن مقاتلة وأسلحة وهلم مما قضينا منه عجباً - وهذا المركب نوع من الأنواع التي يتألف من منها الأسطول يسمى الشواني الواحد منه شونة وبعد ذلك أخذ هذا المركب يسير بنا الهوينا في اختيال، مترجحاً ذات اليمين وذات الشمال كأنه عروس يرفرف عليها روج الجمال والإجلال، وبعد أن سار في البحر شيئاً وقف بنا حيث نشاهد حركات الاسطول وألاعيبه. وكان الشاطئ. ساعتئذٍ قد غُص بالنظارة من كل صنف من أصناف الناس، والزوارق قد انتثرت على متن البحر من جميع النواحي، وفيها لا يعلم عديدهم إلا الله من الاندلسيين والاندلسيات، كي يشاهدوا حركات الأسطول - فكان لذلك منظر تحسر دونه الظنون، وتتراجع دون إدراكه الأوهام - منظر يهز رواؤه الفكر، ويُشيع الروعة في الصدر، وينتقل من هذا العالم إلى عالم آخر كأنه الخلود.