للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكعبة مظفراً منصوراً قد هبت ريح فوزه وسطعت نجمة عزه وأخذ يحطم الأنصاب والأوثان، ويعلن أنها رجس من عمل الشيطان. لم يظهر إ ذاك عنفاً ولا عدواناً. ولا بطشاً ولا طغياناً، ولكن رحمة وحناناً، وبراً وإحساناً إذ قال لقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، وحينذاك أذاع معروفاً وبراً، وأوصى بالضعيف والفقير خيراً، وأمن الخائف وأغاث اللهيف وأطلق العاني وفك الأسير.

ولم يقتصر محمد على الإيصاء بالرفق والتسامح بل جعل ذلك قانوناً موضوعاً وشرعاً متبوعاً. فكان يمنح ألأمم المقهورة الحرية المطلقة في اختيار ما شاؤوا من ألأديان والعقائد. ومقابل هذا التمتع بحرية العبادة لم يكن يطلب منهم أكثر من جزية محدودة. ومتى عقد الاتفاق على هذه الحرية فكل تداخل في شأن دياناتهم أو حرية ضمائرهم كان يعد خرقاً لقوانين الإسلام ونقضاً لشرائعه. . . . فهل يستطيع امرؤ أن يقول مثل هذا عن أي دينآخر؟. وإليك رسالة محمد إلى نصارى نجران: قال صلى الله عليه وسلم ما نصه بمعناه إن رسول الله يكتب إلى قساوسة بني الحارث وقساوسة نجران وأساقفتهم وأتباعهم ورهبانهم بالترخيص لهم بالإقامة على دينهم واستدامة شعائرهم ومناسكهم صغيرها وكبيرها سواء في الأديرة والكنائس والهياكل والمعابد. ويعظهم عهد الله وميثاقه وحمايتهم ورعايتهم فلا يطرد أسقف من أسقفيته ولا قس من كنسيته ولا راهب من ديره. ولا تمس كرامتهم ولا يعتدى على نفوذهم وسلطتهم ولا يغير أدنى شيء من مراسمهم وتقاليدهم. وما داموا على مراعاة حرمة السلام والاستقامة فلا ينالون بسوء ولا أذى ولا يحل بهم ضيم ولا اضطهاد، فهذا دليل يبين على أن نشر الدين بالسيف كان منافياً لروح الإسلام متناقضاً لمذهب محمد كما أن الجدال والخصام في المفاضلة بين الأديان والعقائد كان من أبغض الأشياء إليه. وكثيراً ما كان يقول ما معناه قيم المخاصمة والمنازعة فيما تجهلونه. ألا فاجعلوا همكم الاستباق إلى الحسنات، وابتداء الصالحات والطيبات.

والآن نرجع إلى النظر في وجوب حروب محمد لاستقصاء بحثها وفحصها. فقد رأينا أن وقائع المسلمين تحت قيادة النبي مع القبائل المختلفة كان سببها عدوان الوثنيين وبغيهم مما اضطر المسلمين إلى الدفاع عن أنفسهم والمحافظة على كيانهم.

أما وقعة مؤته وغزوة تبوك وهما أول ما قام به المسلمون لمدافعة اعتداء دولة أجنبية