للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العريضة إكليل من الزهر يتخلله الآس وأوراق أخرى كثيرة وفواكه دقيقة الصنع بديعة الحفر يتخلله ذهب لامع وآخر معتم وكان حول منتصف الكأس منطقة ثمينة عليها صور أطفال وحيوانات وحشية صغيرة تلعب مع الأطفال أو تفر بين يديها ثم أديرت الكأس برشاقة وخفة فانحنت من أعاليها. كأنها تتهيأ لملاقاة الشفة وكان الذهب يتوهج من داخلها. فوضع ألبرت الكأس بينه وبين الشاب وأشار إليه أن يقترب ثم قال له ألا تشعر بشيء لما تغرق ألحاظك في سنا الكأس؟

فقال فرديناند نعم فإن هذا الضوء يشرق في أقصى أعماق قلبي وإني أشعر به كقبلة في صدري الحران المشتاق.

فقال له ألبرت هذا حق فلا تحرك الآن عينك عنه ولكن صوبها نحوه وأثئر طرفك باستقامة إلى لمعان وبريق هذا الذهب وفكر جهدك في المرأة التي يهواها قلبك.

جلس الاثنان صامتين وكلاهما يرمق باهتمام الكأس اللامعة وكان ألبرت قد بدأ قبل ذلك بدقائق يصنع إشارات ساكنة في بطء ثم ازدادت سرعتها حتى صارت جد سريعة. وكان يدير أصبعه في دائرة دائمة حول الكأس اللامعة ثم توقف وابتدأ يصنع الدورات نفسها من الناحية المقابلة، وبعد انتهاء هذا بدقائق أخذ فرديناند يظن أنه يسمع عزف موسيقى مقبلة من الخارج من شارع بعيد ولكن النغمات كانت تقترب مرتعشة في الهواء وأخيراً صار لا يخالجه الشك في أن هذه النغمات مقبلة من الكأس ثم صارت صدحاتها تزداد قوة، وكانت لها قوة تضرب في أعشار القلوب تركت قلبه رجافاً نباضاً على أنغامها المصبوبة المتدفعة وكانت الدموع تنهل من مآقيه وتتفجر في عينه وكانت يد ألبرت الحاذقة الصناع تتجه في نواح مختلفة حول فم الكأس وكان يظهر كأن شرار يتطاير من بين أصابعه وكأن ذلك الشرر كان ينقض في طرق متشعبة إلى الذهب وكان يسمع لها طنين عندما تلاقيه، وكانت النواحي اللامعة تكثر وتتتابع وكانت تتبع حركات يده إلى الأمام والخلف وكانت تنبعث منها أنوار مختلفة الألوان وكانت تزدحم وتلتئم حتى اجتمعت في خيوط غير منكسرة وقد ظهر الآن أن ألبرت كان وهو في الناحية الحمراء المعتمة يلقي شبكة غريبة فوق الذهب المتوهج لأنه كان يجر حزم الضوء إلى هذه الناحية أو تلك كما يريد وكان يليح بها نحو الكأس وكانت تطيعه وتثبت في موضعها كغطاء يروح ويجيء وبنتثر وينتظم وينفصل