للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ليس هناك حرفة كحرفة الأدب ناضبة المعين غير مجدية محترفها شيا. ولكن للتدليس في هذا العالم قوة تستطيع أن تجعل حتى حرفة الأدب منتجة مثمرة. إن الخداع هو روح الإنسانية وعنصرها الحي القوي. وما من موهبة أو فضل لا تسعين به بقادرة على أن تؤثر في قلوب الناس تأثيراً صحيحاً أو كاملاً. وإنك لا تكاد تختبر رجلين أحدهما ذو مواهب صادقة في أي عمل من أعمال الحياة والآخر ذو مواهب داعية، إلى وجدت هذا أكثر نجاحاً وظفر في الحياة من الأول. إن الخداع على تعدد أنواعه يستطيع أن يسود في أحيان كثيرة دون الاستعانة بالحق، ولكن الحق الخالص غير المشوب با لخداع لا يكون إلا قليل الغناء والأثر. ولا أعتقد أن هذا نتيجة طبع سيء فطرت عليه الإنسانية ولكنني أعتقد أنه ناتج من أن الحقيقة الخالصة الناصعة تكون غالباً ممتقعة غير جذابة. فلا بد للتأثير في الناس من أن نمزجها بالألوان ونكملها بالمبالغة والتفاخر وبذلك نستطيع أن نلقي في أذهانهم صوراً أسمى وأكثر من الحقيقة الواقعة. بل إن الطبيعة نفسها تعمل على خديعة الإنسان، فهي تمنحه الخيال والأوهام ولن يطيب له العيش فيها بل لن يطيقه ويسيغه بدونهما.

- ٤ -

يعتقد بعض الشباب أنهم ينالون استحسان غيرهم إذا ما تكلفوا هيئة الكئيب الحزين، قد تكون الكآبة المتكلفة مقبولة إلى قدر معلوم ولا سيما من النساء. ولكنما إذا كانت كآبة صادقة حقيقية فإن الناس لا يطيقونها ويفرون منها، ولا شيء أبهج وأدنى إلى الفوز في المجتمعات من طلاقة الوجه وبشاشة النفس وابتهاج الأسارير. فالحقيقة أن الناس إذا فرغوا من أحاديثهم كانوا - مع احترامي الشديد لأولئك الشبان - أميل إلى الضحك والجذل منهم إلى البكاء والتقطب.

- ٥ -

إن جهل الناس بالناس هو ذلك الذي لم يتعلم بعد أن أفرغ الكلمات وأخلاها من المعاني وأبعدها عن الصدق هي تلك المنح والوعود التي يدفعها الإشفاق والعطف أو حب المساعدة وإسداء الخير، مهما كان المصدر الذي قيلت منه. وكلما ظهرت هذه الكلمات بمظهر الأريحية والرغبة الصادقة وتكررت بحماسة وتأكيد كانت أدعى إلى قلة الثقة بها