للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذاك نقداً حاراً شديداً على الإباحية التي كانت متفشية في بني وطنه وكان غرضه إدخال مبادئ أطهر من المبادئ التي كانت سائدة يومذاك في رومه. وإذا نحن فرضنا أن تاسيتاس كان علي الحق فبماذا نؤول عادة تعدد الأزواج التي ظل عليها طبقات النبلاء من الجرمان حتى القرن التاسع عشر. ومهما كانت عادة الرومان في العهود الأولى من تاريخهم فلا نزاع في أن تعدد الأزواج في أخريات أيام الجمهورية الرومانية وأبان عهد الامبراطورية كان ولا ريب مقرراً كسنة مشروعة أو لم يكن على ألأقل معتبراً اثماً محرماً وأمراً غير مشروع فإن الإمبراطور فالنتيان الثاني أصدر قانون أباح به لرعايا مملكته الزواج بعدة نساء إذا شاؤوا وليس في التاريخ الديني لتلك الأزمنة دليل ما على أن أساقفة ذلك العصر ورؤوس الكنيسة أقاموا أي اعتراض على إصدار ذلك القانون بل لقد تابع القياصرة الذين جاءوا بعد ذلك الإمبراطور سنة تعدد الزوجات ومشي قومهم في آثارهم.

وبقيت تلك القوانين على حالها تلك حتى عهد جوستيان إذ كان أكبر نصحاء ذلك الإمبراطور ووزرائه رجلاً ملحداً وثنياً. ولكن تحريم ذلك الملك تعدد الزوجات لم يستطع أن يزجر ميل ذلك العصر ويقمع رغبته بل لم يكن قانون تحريم تلك السنة القديمة إلا دليلاً على تقدم الفكر الإنساني في تلك العصور وأثراً من تطور الآداب ليس غير ولم يتعد تأثيرها فئة قليلة من المفكرين وراحت في الجماهير ضعيفة الأثر لا سلطان لها ولا نفوذ.

وفي الأقاليم الغربية من أوروبا لم يكن من علو كفة البرابرة واختلاط مبادئ السكان بمبادئ الفاتحين إلا أن حطت من علاقة الرجل بالمرأة وحاولت جملة من قوانين أولئك البرابرة أن تضع نصوصاً خاصة بتعدد الزوجات ولكن التعاليم والنصوص لم تغن شيئاً ولم تفد فتيلاً. إذ كانت الشعوب والجماهير ترى ملوكهم مكثرين من الزوجات فلا تجد على احتذائهم حولا. ولا ترى أبداً من الاقتداء بهم حتى أن رجال الدين على الرغم من وصايا الاستمساك بالعزوبة التي كانت تلقن في الكنيسة جعلوا يتسرون بامرأة أو بأكثر من امرأة. وذلك بإذن من رئيس أسقفيهم.

* * *

والخطأ الأكبر الذي وقع فيه كتاب المسيحية قولهم أن محمداً اتخذ تعدد الزوجات سنة من سنن دينه وأقره وأباحه أجازه.