للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بينه وبين الكاتب شجار طويل في فاس قلب السفر بنحو خمسة أشهر إذ جعل الحفيظ يصب جام غضبه الملوكي على الكاتب لنشره المقالات الضافية عن الفظائع التي كان الحفيظ يرتكبها في مراكش قبل اعتزاله. ولذلك نزل السفينة وهي بالساحل راسية ليودع أصحابه وهو متحرش أن يرى السلطان مخافة أن يصب عليه غضبه مرة أخرى. ولكن السلطان ما كاد يلمحه وهو يخطو إلى السفينة حتى أسرع إليه فعانقه أحر عناق بين صديقين ودودين وقال لمن حوله أنه إذا لم يوافق كاتب هذه السطور على السفر معه في حاشيته. فليس على الحفيظ إلا أن يعلن أنه في منطقة المياه البريطانية ويرفض التقدم خطوة واحدة.

كان المركز حرجاً، والمأزق صعباً، فتشاور الموظفون الفرنسيون فيما بينهم، وعرضوا عليّ الفكرة فأينت لهم أن خطتي قد وضعت، ولا أستطيع تغييرها، ولكن السلطان ظل على إصراره، فوقع المندوبون الفرنسيون في حيص بيص وجعلوا يرجون إليّ أن تنازل عن فكرتي وأسافر معهم فلما رأيت الأمر ازداد حرجاً، لم يسعني إلا القبول، فبدأت ثرثرة السلطان، وفرح بالأمر، وارتضى السفر وما كاد النهار ينتصف حتى كنا مغذين السير إلى مرسيليا وقد أدركت السبب الذب من أجله أبى السلطان إلا أن أكون معه، على الرغم من شدة كراهيته لي، ذلك أنه كان مضطرباً منزعج الأعصاب، متوهماً أنه كان معتقلاً، وإن النية فيه أن يؤخذ إلى فرنسا فيزج في غيابات السجن، ولهذا أراد أن يكون من بين حاشيته رجل إنكليزي أو رجلان، ليكونا شاهدين على ما يكون من الفرنسيين معه، على أنه لم تخطر هذه الفكرة بأذهان الفرنسيين البتة، ولم تكن على بال الحكومة الفرنسية.

وبعد يومين وصلت الباخرة مارسيليا فاستقبل السلطان استقبالاً رسمياً إذ علقت الأعلام. فوق الميناء وخفقت الرايات. واصطف حرس من الفرسان وصدحت الموسيقى العسكرية بالتحية. وعلى أن مولاي الحفيظ لم يكن معروفة في فرنسا. فقد لفتت رحلته أنظار الشعب الفرنسي واهتم القوم به وبتحليل شخصيته. وكان إذ ذاك النجم المتألق. وظهرت صورته في الصحف ونشرت سياحته وبرنامج زيارته في الجرائد واجترأ مصنع من مصانع الأساور فملاً حيطان الحانوت بصور الحفيظ وهو يلبس تلك الأساور.

وكان مولاي الحفيظ على الرغم من عدم اكتراثه بسرعة السيارات التي نركبها شديد