للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تتجرين؟ فإن كان ذلك فخبريني ما ثمن عطفك ورأفتك؟ وماذا تطلبين نظير ما تبذلن من حنانك ورحمتك؟

ثم أني نهضت من مجلسي وحاولت مغادرة المكان ولكنني وجدت رجلي تصطكان وتتعثران وأني أميد وأترتح وقد أظلمت عيني وتفترت أوصالي وتفككت مفاصلي وأن عرى قوتي تنحل وتنفصم، ودعائم بنيتي تنهار وتصدم، ثم مادت بي الأرض ودار الكون في ناظري وسقطت على أحد المقاعد صريعاً.

فأخذت الفتاة بيدي وقالت (أنك لفي ألم وعناء. لقد شربت شرب الأطفال وما أنت في الحقيقة سوى طفل وما نظرت إلى عاقبة ما أتن صانع، فاجلس الآن ههنا وانتظر حتى تمر مركبة وحينذاك تخبرني أين دار أمك وإلى هنا لك تحملك المركبة ولن أصحبك إذ كنت قد صرحت لي بأنك تستقبح صورتي ولا تراني إلا بغيضة المنظر كريهة الطلعة. وقد شفعت الجملة الأخيرة بضحكة طويلة.

وبينا هي تتكلم رفعت عيني إلى وجهها فليت شعري أكان حقاً ما رأيت إذ ذاك أم كان باطلا مما خيلته الخمرة، ووهماً مما زورته لنشوة - ولكني على أية حال أبصرت بوجه الفتاة في تلك اللحظة مشابهة مشؤومة لوجه حبيبتي. فحينما آنست هذا الشبه المنحوس تثلج الدم في عروقي وجمد مجراه، وقف شعر رأسي، ويزعم جهال الناس أن هذه الرعشة التي تصيب شعر الرأس إنما هي الموت يمر من فوق رأسي. ولكنه كان داء العصر ومرض الجيل، بل أن الفتاة نفسها هي كانت مرض الجيل ودار العصر، وقد جاءتني وجهها الأصفر الساخر المتهكم وصوتها الخشن الأبح وجلست إزائي في مؤخرة الحانة.