للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخواطر التي شغلته عمايمهم الناس من شؤون هذه الحياة وأغراضها ومآربها وأوطارها - وهل لا يجوز أن ما يملأ ذهنه من الأفكار والخواطر ربما كان ذا قيمة ونفسة؟ كلا ما أحسب أن أحد أولئك الأقوام عني بشيء لا قيمة له وصورة متحركة وكائن عدمه خير من وجوده على أننا نعلم بالرغم من ذلك أن فكرة ذلك الشاعر كانت مادة طالما استمدت منها أذهان الأجيال المتتابعة والقرون المتوالية ومنهلاً طالما استقت منه قلوب البشر على اختلاف أنواعهم وأجاسهم وتباين مللهم ونحلهم: ومن معادن وجدانه المفعم تقتبس الضمائر أنفس كنوز المكنون: ومن صهاريج روحه الجياش تستعير الألباب أثمن ودائع اللؤلؤ المصون:

وقد ألف الكاتب المشهور ريتشارد جيفريز: كتاباً جليلاً سماه قصة وجداني وحديث جناني ضمنها شيئاً كثيراً من وصف ما يجيش به قلب الشباب نم الطرب إلى مباهج الطبيعة والابتهاج ببدائع أسرار الكائنات: ومن ذلك فصل في شرح ما جلا بنفسه خواطر الفرح والسرور حينما كان واقفاً مرة على رأس جبل:

كنت منفرداً في خلوة مع الشمس والأرض لا رابع بيننا: فاستلقيت على مهاد العشب الوثير وجعلت أناجي الأرض والشمس من أعماق روحي والهواء والجو والبحر القصي وراء مدى البصر: لقد امتلأ قليب بحلاوة ذلك الشعور اللذيذ حتى فاض فأقبلت أسبح ببدائع صنع الله من شمس وأفق: وأرض وسموات طباق: وأمزج روحي بهذه المصنوعات الألهية وأصلي شافعاً صلواتي بما استثيره من النغمات الصامتة: والألحان الخافية: المنبعثة عن هذه الكائنات - كما يشفع المتعبد صلواته بأنغام الأرغن - على أن وجداناتي إذ ذاك هي مما يعني بشرحه البيان: ويعجز عن نعته اللسان أجل يا صاح إن الشمس الهائلة ضياء والأرض الراسية - الحنون الرؤوم - والجو الدافئ والهواء النقي أفعمت قلبي مسرة وعجباً: ملذة وطرباً: وبهذا الطرب مزجت صلواتي وبذلك التيه والعجب شفعت تعبداتي ولم أكن قصد بهذه الصلاة ولا بذلك الوجدان الروحاني والانفعال النفساني إلى شيء معين ولمنه كان مجرد انفعال ووجدان وعاطفة مطلقة وكان شوقاً وصبابة وغراماً وهياماً - لقد دفنت وجهي بين الأعشاب وقد تراخت أوصالي وتفترت مفاصلي وانحل عقد قوتي. وأنبت سلك مني وضممت الأرض حتى كدت أفني في هذه الضمة واعتنقت العشب حتى أوشكت