للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصول مختارة من كتاب الحكمة والقدر]

للشاعر الكاتب البلجيكي مترلنك

مترلنك من أكبر شعراء أوروبا الحديثة وكتابها، وقد اشتهر بطائفة من الروايات التمثيلية وجملة نم المقالات الأدبية، وإن كتابه الموسوم بالحكمة والقدر لكاف في أن يجعل اسمه في عداد الكتاب الثابتين على الدهر القلب، الخالدين على الزمن الفاني.

وهذا الكتاب تتخلله روح التفاؤل المهذب المستنير الذي يدل على سعة الذهن وانفراج ما بين أطراف الخيال، ويتغشاه ضوء الرضى الناشئ نم قوة الدراية بحقائق الحياة والمنبعث عن استفاضة العلم بدخائل الروح، فهو جدير بأن ينبط في النفس مشارع الأمل ويبجس فيها عيون الرجاء وينضر أمانيها الذابلة ويروّض تعلاتها المصوحة، وأن هناك ضرباً من التفؤل يستفز فينا الغضب ويبتعث السخط لأنه يدل على رقدة العقل وجموده وبلادة الحس وركوده وينم عن إدراك مواطن الروعة وجوانب العظمة في الحياة، فإن الناظر في الحياة قد تهوله عظمة الخير فتسبب له القلق والخضوع وقد ترهبه صولة الشر فتحدث في نفسه الحزن وتولد فيها الألم، وأن عقيدة الأمل لتسفل في النفوس التي ينشأ فيها الأمل من عدم الفطنة لما يحفهم من أسرار الكون الخفية ودخائله المستترة وفتور شعورهم بالحيرة الضاربة بأرواقها حول الإنسان والتي هي من أكبر البواعث للفكر على التفكير، والقارئ قمين أن يعلم من أمل مترلنك أن فضل العقيدة وأثرها في الحياة - سواسية عقيدة الأمل وعقيدة اليأس - لا يتوقف عليها في ذاتها ولكن على كيفية اعتقادها وطريقة اعتناقها، والعقائد في الحياة الفردية مثل الأديان في الحياة العامة تسمو وتنحط تبعاً لحالة معتقديها فإن الدين إذا ولج إلى عقول الهمج المستوحشين تحول في أذهانهم إلى خرافات مشوشة وأباطيل فارغة وتعصب ضيق ممقوت ولكنه في الأذهان الصافية المتفتحة للمعرفة تفتح الزهرة لقطرات الندى يتحول إلى منافذ من خلالها الكمال والخير، وطاقات ترى بها الجمال والحق، وينشأ من ذلك أن العقيدة التي تنهض بأمة وتسمو بها في مدراج السيادة والعظمة قد تكون هي نفسها التي تحدو بأمة أخرى في ركاب الفناء والزوال وقد لاحظ أحد الكتاب أن فلسفة شوبنهور النافية للحياة الزاهدة في الوجود كانت من بواعث الهاض الشعوب السلافية لأنها كشفت لهم أن الحياة لا تستحق الحرص عليها فحببت إليهم الأقدام