للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوضيعة والقلب المغلف الجاف إذا حاول تقدير حكيم جليل وزنته ألفيت سعادة الحكيم تنساب من بين أنامله انسياب الماء، ولكنها في زنة الذهب ولمعانه ولألأئه وتوهجه في يد ضريبة الحكيم وصنوه العادل لأن كليهما قد منح ثقوب الرأي ونفاذ البصيرة وأن يرى أبعد من مرمى الأبصار وأسمى من تحليق الأفكار، وأن المصيبة التي تنزل بالحكيم قد تكون قريبة الشبه موجودة النظير في الملمات التي تحل ركابها بساحات غيره من الناس ولكن سعادته ليس لها أدنى علاقة ولا أقل صلة بتلك السعادة التي يتوهمها من لم يكن حكيماً، وأن في السعادة لأقاليم مجهولة أكثر مما في الشقاء، وأن صوت الشقاء واحداً بداً ولكن السعادة كلما نفذت إلى الأعماق كانت أخفت صوتاً وأكثر صمتاً، وإذا نحن وضعنا في كفة الميزان الأحزان والهموم ومناكر الأيام وعيوبها ووازناها في الكفة الأخرى بما يحسبه كل منا سعادة رأينا المستوحش يضع في كفة السعادة مقداراً من الريش وكمية من البارود ويضع الذهب المتحضر بعض الذهب وعدة أيام الأحلام وليالي الصبوات وذكر النشوات، ولكن الحكيم يضع آلاف الأشياء التي لا تستطيع عيوننا أن تستشفها يضع كل روحه وحتى الشقاء الذي كابده فهذبه والألم الذي مارسه فنقاه.

إذا تلفظت بكلمة القدر انطبعت في صفحات أذهان الناس مجللة بالسواد مكسوة بالمخاوف فإن الذي يدور بخلدهم بالغريزة والجلبة هو أن الشعب الذي يؤدي بسالكه إلى القبر - وهو في أكثر الأوقات الاسم الذي يطلقونه على الموت عندما تكون يده خافية عن الأبصار - هو عندهم الموت الذي يحوك سداره ولحمته من المستقبل ليمد ظلال الموت على الحياة، ونحن نسمع بالموت يتربص الدوائر بالمسافر في منعطف الطريق وحنيته نقول أنه لا محيد لأحد عن ملاقاة المقدور ولكن لو لاقى المسافر بديلاً فنحن لا ننيط ذلك بالمقدور ولو أنا فعلنا ذلك لكانت له صورة أخرى في القلوب وشأن مختلف في النفوس ولكن بين كل ذلك ألا يوجد أفراح ومسرات نلتقي بها في طريق الحياة ورحلتها أكبر وأجل من أية كارثة وأفدح نزلة، بل أضخم وأفخم من الموت نفسه؟ أما يمكن أن نلتقي بسعادة سامية على منال العيون قصية على مرامي الأبصار؟ أو ليس من طبائع السعادة أنها أقل ظهوراً وأخفى مدباً من الشقاء، وأن الطرف يتقاصر عن إدراكها كلما تسامت وتوقلت في النواحي العالية؟ ولكن هذه الأنعيرة التفافاً ولا نكلف به خاطراً، وأن كل القرية قد تحتشد جموعها وتلتف