للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لتجاور شفاههم على حافة تلك الكأس اللماعة.

* * *

لنترك الشكوى من عدم اكتراث الطبيعة بالحكيم، وإن هذا الاكتراث يبدو لنا غربياً لأننا نتوغل في أقاليم الحكمة، فإن أول واجبات الحكمة أن نطرح في الضوء ضآلة الفراغ الذي يملؤه الإنسان في ذلك الوجود، وفي هذا الصراع يظهر الإنسان خطير الشأن مثل النحل في خلاياه، وإن النحل ليحمل نفسه عناء إذا أظن أن زهرة واحدة تكون في الروض أكثر ازدهاراً وإشراقاً لأن ملكة النحل قد ثبت أنها شجاعة باسلة جديرة بالسطوة والنفوذ في الخلايا، وأن لا ينبغي أن نظن أننا نحط من قيمة أنفسنا ونهضم من جانبها عند ما نعلي قدر الكون ونفخمه، وسواء أنطنا العظمة بنفوسنا أو بالكون فإن هذا يسوق إلى أرواحنا حلسة اللانهائي التي هي دم الفضيلة وقوتها ولا ينبغي أن نتطلب من وراء الفضيلة جزاء ضخماً، فإن جزاء الفضيلة داخل نفوسنا لا خارجها، والذين يرفعون أصواتهم في طلب مكافأة هم أبعد الناس وأقصاهم عنها، ولا ينبغي أن يعزب عن بالنا أن عمل الخير نفسه هو زهرة لحياة داخلية طويلة من السرور والقناعة والبشاشة والرضي، وهو يحدث عن ساعات الهدوء والسلام في أشرق أعالي الروح واسحق نواحيها، وأنه لا مكافأة تأتي بعد عمل الخير تعادل أو تقارن بذلك الجزاء العذب الجميل الذي ذهب معه وأن هؤلاء الذين يفعلون الخير غير منتظرين لجزاء هم الذين يعرفون سرور الروح، وأننا نفعل الشر لأسباب واضحة معلومة لنا ولكن أفعال الخير تصيرا كثر صفاء ونقاوة كلما جهلنا الدافع لها والحافز عليها، ولو أدنا أن نقدر فضيلة رجل فلنسأله عن بواعث الفضيلة في نفسه وإن أقل الناس علماً بالجواب هو أصدقهم فضيلة، وقد تظن أن العقل إذا اتسع وترامت حدوده تزول من الروح الشجاعة وهذا نقيض الحق فإن العقل الأكثر اتساعاً يستصحب مثلاً أعلى للشجاعة أسمى وأبعد عن الغرض، وإن هذا الذي يذهب إلى أن الفضيلة في حاجة إلى تأييد ومساعدة من القدر أو نم العوالم الأخرى ليس في نفسه حاسة الفضيلة المبجلة المحترمة، وإذا أردنا أن نخلص في عمل الخير فإنه يلزم أن نعمل الخير لتلهفنا إلى الخير نفسه ولتلفتنا إلى معرفة أدنى وأعرق بالخير. وإن هناك فرقاً لا يخفي على العين البصيرة بين روح الرجل الذي يعتقد أن أشعة عمل الخير ستترامى إلى مسافات بعيدة وتنير في