للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[اعترافات]

الشاعر الفرنسي الخالد الفرد دي موسيه

الفصل العاشر

فلما أبصرت وجه الشبه بين هذه المرأة وبين حبيبتي ثارت في ذهني المضطرب فكرة مخيفة شرعت أنفذها للتو واللحظة.

في الدور الأول من رواية غرامنا كانت حبيبتي تزورني سراً من حين لآخر وكانت أوقات زيارتها هذه أعياداً تحل بغرفتي الصغيرة فكنت أنثر الأزاهير في جوانب الحجرة وأوقد نار المدفأة حتى تتأجج وتتوهج وأصنع طعاماً طيباً ثم أنصب الخوان. أنصب عليه الألوان. فأنها قطع البساتين وأفانين الرياحين.

وزخرف البيت كما زخرفت ... روضة حزن جادها هاضب

إذا ما بساط اللهو مد وقربت ... على عجل أنماطه ونمارقه

وكم من برهة قضيتها جالساً على وسادتي تحت المرآة أمتع نظري الساعات الطوال برونق محياها الجميل وقلبي قلبها يتجاوبان بنجوى الغرام وأسرار الصبابة وأنظر إلى حجرتي الحقيرة وقد بدلتها تلك الساحرة الحسناء بنفثات سحرها المبين فأصارتها مقصورة من جنة رضوان وحولت تلك الغرفة التي طالما بللت جنباتها بدموع الجوي فردوسا مشرق الجو ضاحك الأرجاء، الا فأجمل بها وأحسن من غادة ورد الشباب قد قامت كالدمية الغالية النفسية الجمال بين المرتخص المذال من اسمال ثيابي ورثات كتبي وأسفاري وقديم أثاثي وأدواتي. وما كان أبهي سناها أشرق ضياها وسط ذلك الجو الموحش المظلم. وما كان أذكى سراجها الوهاج وأثقب نجمها الوقاد في دياجير ذلك الفقر المدلهم وحنادس ذلك البؤس الحالك!

وأني والله منذ فقدت عشيقتي ما برحت هذه الذكريات تنتابني. وما فتئت هذه الهواجس تعتادني حتى سلبتني القرار نهاراً والمنام ليلاً وكأنما جدران غرفتي كانت تحدثني عنها بأوضح عبارة والات بيتي تنث عليَّ حديثها سراً وجهاراً. وكنت لا أطيق إلى هذه المناجاة اصغاء. وكذلك كلما دنوت من فراشي حدثني عنها فراشي ففررت منه إلى الشارع وكنت أرتاع لرؤية الفراش الا ساعة يشغلني عن الخوف البكاء فتحول دون مرآة دموعي.