للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

استصعب عليه أن يذرى من السافل وينعشه هوّده وفتره كما يروض أحدنا الدابة حتى تُصحب وللإنسان على أخيه سلطان خفىّ ولكم جاء تأثير الرجل القوي فيمن حوله مصدقاً لأساطير السحر! سئلت مرة امرأة كونسيني كيف استقادت لك ماري دي مديسي وماذا بذلت في سبيل ذلك فكان جوابها لم أبذل شيئاً غير ما للعقل القوي على الضعيف من التأثير.

ولو كان قيصر أسيراً أفكان يعييه أن يكسر القيود ويفك الأغلال ويجعلها في يد السجّان؟ وهل فك قيد مطلب محال ومرام لا يكون. ولنفرض أن نخاساً اختطف من أواسط أفريقية جماعة من العبيد والحبشان وانهم جميعاً كانوا من أشباه واشنجتون. أفكانوا في تخمينك يبلغون كيوبا وفي أنوفهم بُرَة الأسر والنخاس عليهم أمير؟ أليست ثمت شيء غير الإسار؟ شيء كالحب والإجلال؟

وهذه القوة طَبعيّة كالضوء والحرارة والسبب الذي من أجله نشعر ببعض الناس ولا نحس ببعض بسيط كالجاذبية. فإن الحق غاية الوجود وأعلى مراتبه والعدل تطبيقه. وطبائع الناس في ميزان. فمن طاب عنصره وخلص جوهره رجح ومن خبث شال وإرادة الأول تجري إلى غيره جري الماء من إناء عال إلى آخر سافل. وليس في وسع أحد أن يحبسها أو يقطع عليها متوجهها. فإنك لتستطيع أن تقذف بالحجر في الهواء ولكنك لا تقدر أن تمنعه من السقوط ومهما يكن من أمور الناس فلا مناص للعدل من أن يسود في الأرض. والنفس الصحيحة في نظام واحد مع العدل والحق كالمغناطيس والقطب. وصاحبها في رأي العين واقف بين الناس وبين الشمس يشف عنها ولا يحجبها فمن أم وجهتها فقد أمه قبلها. فهو أبداً منظور ممن لا يدانونه مرموق ممن لا يشاكلونه ولو أنا قلنا أن ذوي الشخصية من الناس هم ضمائر أمتهم ما كنا مبالغين.

ومقياس هذه القوة مقاومة الحوادث ومكافحة الظروف فإن صغير النفس ينظر إلى الحياة باديةً في مرآة الحوادث والأفكار والناس ولا يتفطن للأمر حتى يكون وأني لمن لم يهبه الله صفاء النفس ولطافة الحس وحدة الفؤاد أن يستشف جرثومة الأمر من بين مثاني الحوادث ويتبين صفته من خير أو شر ولمّا تلده الليالي بعد. هذا ولكل شيء في الطبيعة قطبان موجب وسالب - ذكر وأنثى - روح وحقيقة - شمال وجنوب فالروح هي الموجب