للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيء كثير من النفاق والرياء. وهم يروننا - وما أظنهم مخطئين - بالغباوة المدهشة. والحماقة والجهل الفاضح الذي لا سبب له إلا موقعنا الجغرافي وانفصالنا بمكاننا من هذه الجزيرة عن بقية القارة الأوروبية. ولكنهم على رغم هذه التهم كلها لم يستطيعوا يوماً أن يخفوا اعتقادهم في حكمتنا الغريزية وسداد رأينا الذي أعاننا على أن نسير دفة سفينتنا وسطاً بين التطرف في القول والعمل وأن نوازن بين الحرية والنظام ونلائم بين الأمانة والسياسة. ولا زالت طرق المعاملة الانجليزية ومظاهر الشجاعة الانجليزية واللياقة الانجليزية والأخلاق الصخرية في المتانة الحكومية الانجليزية ذات تأثير عميق في الحياة الأوروبية وهي إلى الآن الدعامة التي يعتمد عليها القوم في أوروبا في إنقاذ العالم من الخراب والاضطراب اللذين أرسلتهما الحرب في الدنيا جمعاء.

فما هي الروح السارية اليوم في الشعب الانجليزية وهل ماتت فينا فضيلتنا القديمة. وهل زال عنا خلقنا المعروف قدماً. وهل قدر لنا أن تكون الأمراض والجراح التي أحدثتها الحرب لنا عاملة على أضغاننا وزوال متانة خلقنا وهل نحن من جراء الويلات التي أعقبت الحرب وخمود الحمية وهذا الفساد والظلم النازلين بالعالم ومخالفة الفقر المتوقع المنتظر، والمرض العام والسآمة المتفشية في نفوس الجماعات، فاقدون تلك الحكمة الغريزية التي امتزنا بها كشعب بين الشعوب على رغم الحماقات والسخافات التي نرتكبها والجهل الفاضح الذي نعاب به. وما هو ذلك العامل النفساني الذي يسري الآن في روح الأمة الانجليزية.

هذه هي الأسئلة التي يتساءلها أكثر الناس في هذا العصر إذ تهتاج نفوسهم من أثر شكوك وريب كثيرة، ومخاوف مقلقة. إذ لا يمكننا أن نتجاهل ما نرى من مظاهر الوحشية التي نرتكبها والشراهية التي نبدو بها وهذه النزوات والسورات النفسانية التي تتجلى فينا، والأميال الهدامة المخربة التي يجنح إليها كثيرون من أفراد هذه الأمة من كبيرهم إلى أحقر حقير فيهم. ثم يلوح لنا أيضاً أننا مقبلون على أزمة اقتصادية يريد فيها أصحاب رؤوس الأموال أن ينجوا بأنفسهم على حساب العمال والعاطلين، ويود العمال أن ينقذوا أنفسهم، مستيئسين من شرة الحاجة وآلام الفاقة، بإسقاط أصحاب رؤوس الأموال ودك حصونهم دكاً.