للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن دعونا لا ننكر بل نعترف صراحة بأن هذا الحلم المظلم الذي يعتم أرائي هذه كما يسوّد أفكار كثيرين منا يريدون أن يروا قومنا ناهضين على وقدة حمية جديدة بعد متعبة هذه الحرب، لا يزال رأياً ظالماً لا حقيقة فيه، وإن الشعب أعقل مما يلوح في الجماعات. وإنهم لا يخدعون بما يقدم لهم لأجل خديعتهم وإنهم أقوى وأصح أرواحاً من الذين يتصدون لقيادتهم والترأس عليهم.

نعم ولا نكذب إذا نحن قلنا أنهم يؤثرون قراءة رواية تبسط حوادث القتل أو تصور شنائع الطلاق على قراءة الأبحاث العامة التي تبسط أمام أعينهم الحالة الدولية السيئة وتصور لهم مشكلات الحياة وأمهات مسائلها، ولكنهم إنما يفعلون ذلك لأنهم أكثر انشغالاً بحوادثهم الشخصية ومشاكل حياتهم الخاصة عن التفكير في المسائل العامة المطلقة البعيدة عن مواقع حسهم ومما لا شك فيه أنهم لا يزالون (جزائريين) معتزلين لا هم لهم إلا مصالحهم الشخصية، على الرغم من هذه الحرب التي التحمت فيها القارة الأوروبية كلها وأنهم لا ينظرون إلى أبعد من مطالب العيش وحاجيات الحياة وملاذها التي تجري في وسطهم.

نعم إن الازدحام على رؤية لعب الكرة، أو مشاهدة أسراب من النساء في رواية هزلية أو قراءة شذرات من الكلام الفارغ وسقط المتاع الذي تمتلئ به الصحائف المصورة لا توحي إلى الإنسان شيئاً من الذكاء أو الحكمة التي وصفتها بالحكمة الغريزية. وإنه ليلوح لي أن وبع الجماهير وطبقات العامة بلعب الكرة الذي اتخذوه اليوم صنعة وحرفة تحترف، لا يزال ضرباً من الجنون والحماقة الكبرى، ولكنا إذا نظرنا إلى هذا الولوع دون تحيز لرأينا أن هذا الضرب من الرياضة البدنية هو أقرب سبيل للعمال والعامة إلى التمتع بشيء من هذه الرياضة، وهي تقوي أبدانهم وفي الوقت عينه ترد عليهم عقولهم صحيحة سليمة قوية منعشة، على ما فيها من عدم المبالاة بمستقبل الحياة وبشؤونها وإن الشباب لعلى حق إذا هم لم يبالوا بالمستقبل لأنهم يطلبون من الحياة مراحاً ويبتغون أبدع ما فيها من ملهاة وترويح.

ولا يزال كثيرون منا يفكرون ويتلمسون بلوغ الحقائق، ولا تزال في أعماق نفوسهم عواطف ومشاعر وأمثلة عليا. ولئن كان يلوح لنا في أغلب الأحيان أن الحرب لم يبق لها أثر في نفسية الشعب الانكليزي ولم تترك شيئاً، فالناس كما كانوا، يغضبون لما يفقدون، ويقنعون بما يعانون، ولا يحفلون بالمخاطر تقف في طريقهم، وتعترض سبيلهم، ولا