للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والملابس وباعة الحلي والزخارف ليتهافتون على مثل هذا الدخيل بشتى سلعهم وفنون بضائعهم ولكنه لا يوفق في اختياره ولا يعرف ماذا يأخذ وماذا يدع. ولا يزال يتسلط عليه ويتحكم فيه سلطان ناموس الطبقة السافلة التي لم يفارقها إلا بعد أن تكونت حسب قوانينها وأصولها عاداته الشخصية ومنها عادة الملبس وقلما يقوم لهذا الناموس الأولي أو يقوى عليه قانون الطبيعة العالية التي اندس فيها على كبر. ثم يقضي أيامه تعجباً من كيفية اهتداء أقرانه الجدد من ذوي الأحساب والأنساب إلى حسن اختيار الملابس ويرى أن توفقهم إلى إيجاد هذه الأزياء فوق أجسادهم واستطاعتهم أن يجدوا هذه الألوان المختلفة والأشكال المتنوعة من مهاب الريح الأربع وتأليفها وفقاً لهذا النظام العجيب على أكتافهم وصدورهم - يرى هذا عجيبة العجائب ومعجزة المعجزات والسر الذي لا يناله الفهم ولا يدركه الوهم.

فرأس الحكمة إذن وأساس الصواب والسداد هو أن نجعل جهازنا العصبي حليفنا لا عدونا ولنا لا علينا. أعني أن ندخر من صالح العادات أكبر رأس مال نتمتع بقية عمرنا بأرباحه في هينة ودعة. وابتغاء هذه الغاية يلزمنا أن نبادر في باكورة الصبا باستشعار أكثر ما يستطاع من نافع الخصال والخلال استشعاراً يجعل إتيانها كلما دعت الحال أمراً محتماً يجري من تلقاء ذاته كحركات الجسم الاضطرارية - وفي الوقت ذاته يلزمنا اتقاء سيء الخصال وضارها كما يتقى الوباء وكلما كثر عدد العادات التافهة والأعمال الحقيرة الاعتيادية التي نكلف الجهاز العصبي بتأديتها عفواً من تلقاء ذاته دون استشارة أذهاننا - كاشتراء غذائنا أو ذهابنا للحلاق أو مساح الأحذية أو خروجنا لنزهة العصر أو ابتياعنا شخشيخة لطفلنا إلى غير ذلك من الصغائر والحقائر من تفاصيل الحياة اليومية وجزيئاتها.

اتسع بذلك لعقولنا مجال التفكير والتأمل في هام الشؤون وعظيم المسائل مما هو أليق به وأشبه. وما إن رأيت قط إنساناً هو أحمق وأغبى وأسخف وأحقر من الذي لم يتخذ لنفسه عادة سوى عدم العادة - الذي لا يزال يتوقف ويتردد كلما همّ بشأن له ولو كان من أدنى شؤونه كإشعاله (سيجارة) أو شربه كأساً أو ذهابه إلى المرقد ليلاً أو قيامه منه صباحاً أو شروعه في أي عمل من أضأل اليوميات المعتادة. هذا الرجل مرزوء في حياته منكوب في عمره فإن نصف أوقاته يضيع سدى بين التردد والتوقف والتحير وإبرام العزم وعقد النية