للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم ارتد وتراجع كيما يتحفز للوثوب من جديد - ذلك شأنه ودأبه لا هو بواثب فماض ولا هو بمقلع فمريح نفسه. والواقع أنه ليس بغير العزمة الثاقبة والهمة الماضية والصرامة النافذة التي لا يعوقها عائق ولا تقف في سبيلها عقبة يستطيع المرء أن يحشد لنفسه من القوى الأخلاقية ما يحرز به النضر الباهر والفتح المبين في معترك الحق والباطل أحسن الوسائل وأضمنها لتكوين مثل هذه العزيمة الماضية والإرادة النافذة المؤدية إلى هذه الغاية البعيدة والأمنية السعيدة - هي المثابرة والمواظبة على أداء العمل باطراد واستمرار وبلا انقطاع ولا شذوذ.

وثمة وصية ثالثة نردف بها الوصيتين السابقتين وهي: انتهز أول فرصة سانحة لإمضاء ما قد أبرمته من العزم لتنفيذ ما يوحي به ضميرك في سبيل اتباع ما قد اخترته لنفسك من العادة الجديدة. واعلم أن الساعة التي يكون فيها للنوايا والعزائم الجديدة التأثير الأقوى في الذهن ليست هي ساعة تكوينها وعقدها ولكن ساعة تحركها وجيشانها وتبجسها عن قوة محركة فعالة.

إن سنوح الفرصة العملية لهو القاعدة الوحيدة التي عليها ترتكز الإرادة الأخلاقية في تأييد نفسها ومضاعفة قواها وفي النهضة والسمو إلى أعلى. أما من حرم سنوح هذه الفرصة العملية فقد حرم القاعدة التي يرتكز عليها ويعتمد فمثل هذا لا يصنع أكثر من الكلام واللفظ والدعاوى والوعود ولا يتخطى مجال الأقوال إلى مجال الأفعال.

إنه مهما امتلأ وعاؤك من الحكم والأمثال والمواعظ والوصايا ومهما حسنت نواياك واشتد ميلك للهدي والصلاح فاعلم أنك لست بمصلح من خلقك ولا مهذب من نفسك مثقال ذرة ما لم تنتهز سانح الفرص وتنتفع بها في إبراز نيتك من حيز الفكر والشعور إلى حيز العمل. فأما مجرد النوايا والأميال والعزائم فهذه لعمرك خدع الشيطان عن الهدى وحداة الغاوين إلى النار وقد قيل في الأمثال (ألا إن بالنوايا الحسنة مجردة يمهد السبيل إلى جهنم).

قال (ستوارت ميل) الخلق هو الإرادة التامة التكوين والإرادة هي مجموعة أميال تدفع المرء إلى العمل لدى جميع مقتضيات الحياة وضرورياتها بأسلوب محدد ومضاء وشدة وثبات، على أن الميل إلى العمل إنما يكون انغراسه في طبائعنا وتأصله في غرائزنا ورسوخه في أعصابنا على قدر تكرار حصول الأعمال وقلة العوائق دونه (وبالتالي) على