للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

متخاذلين. وهذ١انابليون العظيم أنبأنا التاريخ أن أشياعه ومريديه لما دب إليهم الضعف والوهن صاحوا قائلين ما معناه (كفى نابليون - لقد شبعنا نابليونية).

ليس منت مستلزمات البطولة أن يحالفها النجاح فيما تنهض به وترمي إليه من الغايات والمقاصد. وكل ما على البطل أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليه كما يقولون أن يساعده الدهر، وهل أزرى ببطولة نابليون أن انهزمت جيوشه في واقعة واترلو؟ ألم يبق نابليون بعد ذلك هو نابليون؟

يعيب البطال في نظر الحمقى أن يغيروا ويبدلوا في أنظارهم، وأن ينقضوا اليوم ما أقروا بالأمس، وأن لا يستقروا على حال من القلق، بينما هم يبررون أفاعيل الساسة وتلونهم بكل لون ولبوسهم لكل حال لبوسها بأنها السياسة. وأن السياسة تكذب وأمثال ذلك - أو ليس الأنبياء المرسلون أنفسهم كانوا يعمدون الحين بعد الحين إلى نسخ ما اشترعوا من الأحكام، واستبدال بعض ببعض مراعاة للظروف وتبدل الأحوال كانوا يعمدون إلى ذلك ويعمدون إليه كثيراً وما عليهم به إلا السفهاء من الناس.

من المعروف لدى كل من تتبع حركة الإصلاحات الفكرية أو الانقلابات الاجتماعية أن رجال الدين دائماً أعداء لهذه الحركات وأعداء لزعمائها والقائمين بها. لأن رجال الدين في الأعم الأغلب جامدون يأبون إلا بقاء القديم على قدمه. فهم يخشون أن يكون من وراء هذه الحركات قضاء على نفوذهم الديني وما يجر إليه هذا النفوذ من المصالح والنافع وإذا كنا نرى من بينهم من يخرج على هذه القاعدة فإنما يكون ذلك لأسباب راجحة غلابة، كأن تكون هناك روح حارة وثابة، أو مصلحة آجلة، ترجح بالمصلحة العاجلة، أو تشبع بالروح الدينية البريئة الصحيحة، أو المبادئ القويمة السامية الصريحة.

جرت سنة الله في خلقه أن الناس لا يرون العظماء والأبطال بالغين الحقيقة فيقدرونهم حق قدرهم ويقدسونهم التقديس الواجب ويتعلقون بهم التعلق التام إلا إذا حيل بينهم وبين الأبطال بأي حائل كان: وتكرم أوصال الفتى بعد موته، وعلى ذلك فكلما كانوا لاصقين بهم قريبين منهم رأوهم أقل مما هم عليه، وفترت قوة الإيمان بهم وضعف إجلالهم في نفوسهم، والأبطال في ذلك كالشمس لا تستطيع العين المجردة أن تجتليها اجتلاء صحيحاً تاماً أتم ما تكون ساطعة مشعة متلألئة، أما إذا كان هناك حائل كثيف من غيم أو منظار أمكن العين إذ