للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دولة والسلطان فليس أكثر ممن يدعون مودتي تزلفاً وملقاً. فإن ركدت ريحي انفضوا من حولي. ألا فلتدعن الرأفة والرقة واللين للنساء أما الرجال فلا بد لهم من الصلابة والقسوة والصرامة إذا تعرضوا للحرب أو السياسة.

فكيف بعد هذا كله يعينون على بطل النهضة المصرية صلابة خلقه وصرامة طبعه؟ ومتى كانت الملاينة والمحاسنة والملاطفة والمجاملة والتسامح والتساهل والاعتدال من شيمة أبطال الجهاد ومحرري الشعوب من ربقة الاستعباد وفرسان ميادين السياسة المغامسين حومة الطعان الجلاد.

البطل لا يسأل عما يفعل فإن أساس بطولته وقوامها وسرها هو ذلك الاعتزاز بالنفس والاستبداد بالرأي الذي به يدوس على كافة الاعتبارات والتقاليد اندفاعاً وراء غرضه وبغيته - مبتذلاً في سبيل ذلك الأمن والراحة والسلامة، لا ترده عقبة ولا يثنيه مانع - ولكنه يسير إلى غايته على عزفات موسيقى روحه الجياشة الصداحة ولو ثارت حوله الزوابع وطارت العواصف وزمجرت القواصف وأوشك الكون أن يتحطم ويتهدم. ولذلك قد يكون في البطولة أحياناً ما ينافي اللياقة ويخالف الآداب ويعارض الحكمة والفلسفة ولكن البطولة لا تعبأ بالياقو ولا تحفل بالآداب ولا تأبه للفلسفة. لأنها قبل كل شيء متكبرة مختالة تياهة جبارة. وعلى الغم من كل هذا فالواجب علينا جميعاً إكبارها وإجلالها وذلك لأنها محفوفة من جلال العظمة والروعة بما يجب أن يغض من أبصارنا وينكس من رؤوسنا أمامها، وما زال في كل عمل من أعمال البطل ما يملأ صدورنا هيبة ويقعدنا عن تعقبه واقتفاء أثره وانتقاده وبحثه. ففعلة البطل هي فعلة الله يأتيها على يد البطل وما كان لبشر ما مهما ظن نفسه عظيماً أن ينالها بذم أو انتقاص أو نقد - وليس في صنع الإله لعبيده مغمز أو مطعن. والبطل متى اندفع بقوة الله وبإلهامه ووحيه إلى إيتان فعلته لم يبال بصحة ولا حياة ولا أخطار ولا بذم ولا تأنيب ولا بعداوة ولا ببغضاء ولا بوعيد ولا تهديد ولا تراه موقناً أن إرادته أعلى واجل وأشرف وأفضل من جميع من يتبرى ومن سوف ينبري له من أهل المعارضة والمناوأة.

البطولة هي انقياد وإذعان لدافع باطني في ضمير فرد من الأفراد فليس إذن يتأتى أنم تظهر حكمة هذا الدافع وصوابه لسائر الناس مثلما تظهر لهذا الفرد إذ كان كل امرئ أنفذ