للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإذا هو غث تافه فاتر. ثم تنتقل إلى (دكنز) فإذا هو سخيف بارد. ثم إلى (ثكرى) فإذا جاف عقيم ثم إلى (كارليل) فأذا أعقم الجميع وأجفهم وأسخفهم وهنا ترمي عرض الحائط بالكتاب وتنبذ المؤلف بأشنع الألقاب. وبعد ذلك تحول تيار غضبك على القطة فتطاردها في أنحاء الغرفة حتى تخرجها وتغلق الباب خلفها. وهنا تفكر في أن تكتب (جواباتك، فتأخذ القلم والقرطاس ولكنك بعد كتابتك لفظة (عزيزتي ها قد تناولت القلم لأبثك ما عندي) ترى أنه ليس عندك شيئ فيرتج عليك ولا يفتح الله عليك بكلمة وبعد استمرارك على هذه الحالة السيئة ربع ساعة أو أكثر تلقي القرطاس في الدرج وتقذف القلم على المكتب وتنهض من مكانك عازماً على المضي لزيارة أصدقائك الأسة الفلانية وفبما أنت تلبس حذاءك يخطر ببالك أن الأسرة الذكورة قوم أغبياء سخفاء وإنهم لا يصنعون طعاماً البتة وإنهم يكلفونك حمل وليدهم وإرقاص طفلهم فتسب القوم سباً وتلعنهم لعناً وتنقض ما كنت اعتزمته من الذهاب إليهم.

وهنا يكون قد استفحل بك الداء وبلغت الروح التراقي فتدفن وجهك في يديك وتتمنى لو جاءك الأجل فصعدت إلى جوار ربك. وحينئذ يثور في خاطرك ذكر الموت فتصور لنفسك منظر مماتك وأنت على سرير المنية تعاني سكرة الموت وتجود بأنفاسك الأخيرة والأهل والأقارب والإخوان حولك وقوف على رأسك تسيل مهجهم عبرات وتذهب نفوسهم حسرات. وأنت تبارك فيهم وعليهم ولا سيما الفتيان والفتيات والصبيان والصبيات. وتعلل نفسك عن مصابك بأنهم سيعرفون قيمتك بعد ذهابك. إذ يتبين لهن خطورة نكبتهم وجسامة خسارتهم. وهنا يحلو لك أن تقارن بين ما تتوهم أن يكون من شدة احترامهم لك بعد موتك وشدة احتقارهم لك أثناء حياتك.

هذه الخواطر وأمثالها تهوّن عليك وتنفس عنك ولكن لمدة قصيرة جداً. إذ لا تلبث أن تتهم نفسك بالحمق والسفه وبالبلاهة والعته إذ يخطر ببالك أو يخيل إليك أن أي إنسان كائناً من كان يحفل بك أو يكترث لك أو يهتم لأيما يعرض لك ويجري عليك من خيرٍ أو شرٍّ أو ربح أو خسارة. ومن ذا الذي يا مغرور ويت أحمق ويا أبله ويا غبي يعنى بك مثقال ذرة أو يبالي ما يصيبك سواء قصم ظهرك أو حشّ وسطك أو قطع رأسك واخمدت أنفاسك أو بعج بطنك أو حلق ذقنك أو رفع لك تمثال أو مشنقة أو أقيم عرسك أو شيعت