للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمره وكيف يتفق أن يطفأ لهيب العبقرية في الرجل عندما يبلغ أشده وتستتم فحولته.

ولكن شارتكوف السادر في غوايته، الممعن في ضلالته الثمل من خمرة زهوه وخيلائه المخال في بردة كبره وغلوائه كان في غفلة عن الحق الأبلج الصراح أصم عن كل عايب وقداح فبلغ في غروره سن الكهولة والحكمة والنهي والوقار وأصبح شديد الكدنة حاظي البضع شحيما لحيما، وكان لا يزال يقرأ في الجرائد نابغتنا العظيم أندريه شارتكوف فخر بلادنا وبديع زماننا أندريه شارتكوف وأصبح يعرض عليه المناصب العالية في جامعات الحكومة وتندل عليه الدعوات لرئاسة الامتحانات واللجان وأخذ في هذا الدور ينادي بعكس آرائه الأولى في قدماء المصورين فبدل أن كان يمتقص منهم جعل الآن يزكيهم ويقرظهم لا عن تمام اقتناع وعقيدة بل ليحط بذلك من أقدار الناشئين من مصوري العصر ويغض من أبصارهم ويكسر من شوكاتهم امتقاصا منهم وازدراء بهم.

وأخيرا دنت حياته من السن التي يضمحل فيها كل بواعث الهمة والمضاء والحدة والتي فيها يضعف سلطان الحسن على الفؤاد فلا تشمل فتنه حميا الشباب ضراما ولا يؤجج سحره فتوة الصبا صبوة وغراما. والتي تصبح فيه بقايا الشهوات الخامدة لا تتأثر بشيء ولا تتحرك لشيء سوى موسيقى الذهب الرنان ورخيم جرسه الفتان. ولما كانت الشهرة لا يمكن أن تكون مصدر لذة وسرور الذي نغتصبها اغتصابا ويستلبها استلابا بلا حق ولا جدارة لذلك اتجهت عواطف الرجل وأمياله إلى المال فأصبح الذهب بغيته وشهوته وأمنيته ومقصوده ومعبوده ومصدر آماله وآلامه وأفراحه وأتراحه فتكاثرت بدرات النقود وصرر البنكنوت في خزائنه، وأصبح كجميع من يبتليهم الله بتلك النعمة الفظيعة مجردا من كل إحساس وعاطفة إلا حب الذهب ولكن في هذه النقطة من تاريخه وسيرته حدث حادث كدر صفاء عيشته وقلب نظام حياته.

في ذات يوم وجد شارتكوف على مائدة رقعة من (المجمع التصويري) يسأله فيها المجمع باعتباره عضوا فاضلا من أعضائه أن يحضر ليبدي رأيه بشأن صورة أرسلها من إيطالية مصور روسي يقطن تلك البلاد إتقانا للفن واستيفاء لقواعده وأصوله. وهذا المصور قد كان أحد زملاء شارتكوف في عهد الحداثة والصبا ومازال مولعا بالفن منذ نعومة أظفاره وقد انقطع إليه طول عمره ووهب في سبيله النفس والنفيس واحتمل من أجله هجرة الأوطان.