للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حضارة العرب في الأندلس]

الرسالة الثالثة

مقامي في قرطبة

عظمة الإسلام

ملوك العالم تزدلف إلى الناصر - وفود ملوك الروم إلى قرطبة

بلغ ملك أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر لعهدنا هذا ما لا يبلغه ملك مليك في الأرض، من اتساع الرقعة ومنعة الجانب واستبحار العمران وتعدد الجند وضخامة الأساطير وتكاثر الذخيرة والسلاح وانبثاق نور العلم والعرفان في بلاده وما إلى ذلك مما طال به ملوك الأرض واستبد دونهم بالمجد والسؤدد وحدا سائر الدول على أن تملقه وتهاديه وتزدلف إليه وتتوسل بالهدايا والتحف وعظم الذخائر والطرف، وتفد غليه بنفسها تارة وتوفد إليه رسلها طورا، تخطب مودته، وتسترفد رضاه ومحبته. وأول وتد وفد بعد وصولنا إلى قرطبة بأيام قلائل رسل قسطنطين بن ليون ملك الروم ثم رسل الألمان والصقالبة والإفرنج وصاحب روما والكثير غيرهم ت وقد كان يوم وفود هؤلاء الرسل والاحتفاء بهم يوما مشهودا يجمل بنا أن نؤتي لك على وصفه:

لما جاء الخبر بقرب قدوم هؤلاء الرسل أمر أمير المؤمنين بأن يتلقوا أعظم تلقي وأفخمه، وأحسن قبول وأكرمه، وأخرج إلى لقائهم ببجاية يحيى بن محمد بن ليث وغيره لخدمة أسباب الطريق، فلما صاروا بأقرب المحلات من قرطبة خرج إلى لقائهم القواد في العدد والعدة والتعبية فتلقوهم قائدا بعد قائد، وكمل اختصاصهم بعد ذلك بأن أخرج إليهم الفتيين الكبيرين الخصيين ياسرا وتماما إبلاغا في الاحتفال بهم فلقياهم بعد القواد فاستبان لهم بخروج الفتيين إليهم بسط الناصر وأكرمه لأن الفتيان من عظماء الدولة لأنهم أصحاب الخلوة مع الناصر وحرمه، وبيدهم القصر السلطاني. وأنزلوا بمنية ولي العهد الحكم المنسوبة إلى نصير بعدوة قرطبة في الربض، ومنعوا من لقاء الخاصة والعامة جملة ومن ملابسة الناس طرة ورتب لحجابتهم رجال تخيروا من الموالي ووجه الحشم فصيروا على باب القصر هذه المنية ستة عشر رجلا لأربع دول لكل دولة أربعة نهم ورحل الناصر لدين الله من صر الزهراء إلى قصر قرطبة لدخول وفود الروم عليه فقعد لهم في بهو