للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ليزين للناس السجود أما الإمبراطور، ونسيان ذواتهم في ذاته، والتجرد عن حقوقهم لأجله، أفكانت ترى فيه حكومة النمسة أو سواها الأكل خير وبركة؟؟ وهل تراها واجدة فيه ما وجدته الآن من الخطر على النظام والضرر بالأمة؟؟

ولم يأبه نوردو بهذه المصادر بل قابل قرار الحكومة النمسوية بكلمات وجيزة كتبها مقدمة للطبعة السادسة، قال فيها أنه لا يتعرض لشخص هذا الإمبراطور أو ذاك وإنما يتكلم عن الإمبراطور حيث كانت وفي أي شخص تمثلت، وعجب من أن كتاباً يصد الناس عن إحياء شعائر الكنيسة وأنه لعجيب حقاً أن لا تفرق حكومة بين سلطان الدليل على العقول وسلطان القوة الغاشمة على الأبدان.

واحسب أن هذا الكتاب سيكون للملأ الأوربي ما كأنه عقد روسو للأمة الفرنسية. فما هو إلا أن تتداوله الأيدي وقد تداولته، وتتفهمه العقول وهي جانحة بطبيعة روح العصر إلى تفهمه، وتشربه النفوس وهو واضح البيان صحيح البرهان. فهنالك تهب الطامة التي ليست الثورة الفرنسية إلى جانبها إلا مناوشة صغيرة بين الطلائع. ويثب من وراء كل حرف في كلماته مارد جبار كأنما هي حروف الطلاسم والأرصاد التي نقرأ عنها في كتب القدماء، فتقوض دعائم هذا الهيكل المتداعي وتدك جدرانه المتصدعة، فتقوم إذ ذاك المدينة التي يحلم بها نوردو، مدينة الحق والحب والإيثار والرضى. وقد لا يكون ذلك اليوم بعيداً جداً فإن الناس لا يطيقون البقاء طويلاً على هذه الحال التي ما أظن العالم نزل إلى أردأ منها في عصر من العصور ونحن مخلصون منه هنا أهم فصوله بالنسبة إلينا وهو فصل الزواج.

أكاذيب الزواج

قال في دلالة الزواج على حياة النوع أو الأمة:

أقوى غرائز الإنسان التي تسيطر على حياته وتحرك كل عواطفه وأعماله اثنتان، هما غريزة حفظ الذات وغريزة حفظ النوع وأبسط مظاهر الأولى السغب كما أن أبسط مظاهر الثانية الحب ونحن لا نعلم سر القوى الغذائية أو التناسلية. على أن جهلنا إياها لا يمنعنا أن نراقب فعلها جلياً، فنحن لا ندري كيف أن فرداً من الأفراد يكمل دورة نمائه في سنين معدودة بخلاف فرد آخر، ولا نعلم مثلاً كيف أن الحصان وهو الحيوان القوي الكبير ينمو