للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إرخاء أعنة النوازع والشهوات التي نعاني من أجلها شوقا غريزيا وهو يزيد في شقاوتنا ويشعل الخابي من جمرات همومنا بالخيالات المخيفة والصور الرهيبة التي يعرضها علينا وليس لها من وجود إلا في تركيبه وجهازه وهو يؤيد ضعفنا ويزيدنا يقينا به وإيمانا بمقارنتنا إلى الأجرام السماوية وبإظهار قصر حياتنا إلى جانب قدم الدنيا ويظهر عجزنا لأنه يفسح لنا مجالا للتظني فيما لا نستطيع أن نبصر ولا أن نلمس ويكشف عن جهلنا لأنه يبين لنا روعة المجهول ويجلي لنا حقارتنا وتفاهة قدرنا بتكرار الأشياء التي توقظ تلفتنا تستدعي تطلعنا دون أن يجبنا عليها.

وأنا لا أقر الكلام على نتائجه الفكرية فإننا عندما نتخطى إلى التطبيق العملي نرى أن مخترعاتنا ليست إلا وسائل للتعذيب طريفة تدل على المهارة والتبصر وأن ماكيناتنا لتحكم بالموت على أفراد الإنسانية التعسة الأسيفة.

زر أي مدينة صناعية أو انزل إلى أي منجم من المناجم وانظر إن كانت المظاهر التي تراها تختلف كثيرا عن النار الموقدة التي يتصورها أشد رجال الدين تعصبا وتحمسا وإننا لنبدأ نشك عند إمعان النظر وإجالة الفكر في أن ضرر مجلوبات الصناعة للذي يصنعها أقل من الضرر العائد على صاحبها ونبدأ نفكر في الترف وهل هو أفدح أمراض الحياة عاقبة وأشملها ضررا، ولقد عرفت أقواما من كل طبقات المجتمع ولم أقابل في حياتي أحدا وصل من التعاسة إلى ما وصلت إليه سيدة من ذوات المنزلة في باريس وهي امرأة حسناء كانت تنفق على ملابسه خمسين ألف فرنك في العام وإن هذه حالة تفضي بصاحبها إلى إنهاك الأعصاب ومرضها العزيز الشفاء.

ثم صبت لنا القهوة الفتاة القروية الحسنة المظهر ذات العيون الصافية وعليها ظواهر السذاجة القانعة.

فأشار إليها صديقي جان بعنق غليونه وكان ملأه في الوقت نفسه وقالانظر إلى تلك الصبية وأنها تعيش على الخبز ولحم الخنزير المملح وكانت البارحة تحمل حزمة من القش على المذراه وغنك لتبصر الآن قطعا منها على شعرها وهي سعيدة وبريئة في كل ما تفعل لأن العلم والحضارة قد خلقا الخطيئة كما خلقا المرض وإني لأقاربها سعادة وأشابهها في خلو البال لأني أفكر في شيء ولا أقوم بعمل شيء وإني لا أزرع حديقتي بل أتركها تنمو