للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يصيبها من صروف المحن. وتقلبات الزمن. وماذا يحتمل أن يصيبني أنا من تبدل وتحول قبل أن تسعدوني المقادير بالإياب! ومن ذا الذي يستطيع حين يهم بالرحيل أن يعلم أيطوح به تيار القدر التعسف. أم متى تكون أوبته إلى وطنه. وهل يتاح له ثانيا أن يشهد معالم طفولته. ومآلف شبيبته.

أم هل يباح الورد ثانية ... ويلذ برد الماء مرتشف

قات أنك لا ترى في البحر إلا فراغا وإني لجدير أن أصحح من هذه الفكرة بقولي بل إن البحر لصحيفة مملوءة بالمعاني الباعثة على التفكير والتأمل ولكن هذه المعاني ليست سوى عجائب البحر والهواء مما هو أجدر أن يصرف الذهن عن شؤون الدنيا ويجرده من شوائب الحياة المدنية ولكم سرني أن أشرف من فوق سياج السفينة في اليوم الساجي منغض الرأس للنعاس أو أعتلي ذؤابة الدقل أقضي الساعات تأملا فيس ساحة صدر اليم الهادئ المشتمل في غلالة المصيف أربو إلى ركام السحب المطرزة بحواشي النور المذهب تشرأب إن تبرز من حجاب الأفق فأخالها مآلف جان ثم أعمرها بخلائق من صنيع خيالي - وأراقب مجرى الأمواج تقلب أجرامها اللجينية كما لو كانت تود أن تضمحل فتموت على تلك السواحل الهنية السعيدة.

لقد كنت أشعر بمزيج من الأمن والخوف والرهبة والطمأنينة لئن كنت أشرف من ذلك المربأ الشاهق على عجائب مخلوقات اليم تلعب ألعابها الخشنة الخرقاء - فمن أسراب درفيل تتنزى حول مقدم السفينة وحوت يرفع جرمه الجسيم فوق الماء في بطأ وتثاقل. وكلب بحر جارح فراس يمرق من خلال اللجة الزرقاء كالطيف السانح. والبرق اللامح. وعند ذاك يستثير خيالي كل ما سمعت أو قرأت من عالم الدأماء الذي أعتليه ـعن ذوات الزعانف الجائبة ووديانه السحيقة الأعماق مما لا يدرك مداه. ولا يبلغ أقصاه. وعن الخلائق المنكرة الهائلة غير ذات الصور والأشكال - الكامنة بين أساس الأرض وقواعدها وعن تلك الخيالات الخارقة مما تفيض به أقاصيص النوتية وصياد البحر.

وأحيانا يبدو لك من أقصى مسافة شراع سفينة تنساب على حافة اليم فيكون مبعثا لخطرات بالك. وسنحات خيالك ويا عجبا لهذه السفينة المنسابة. إنها لعمرك عالم ضئيل ودنيا دقيقة تسرع لتنضم إلى السواد الأعظم في هذا الوجود! هذه آية بارعة من آيات إبداع