للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النسيم العليل على صدر اليم. ومتى تبرجت السفينة في جل أبرادها وحللها وانتفخ كل شراع ومر يزهى مرحا فوق طرائق الموج المسرد وحبائل الماء الطرد بدت لك وأيم الله أكمل ما تكون أبهة وجلالا وروعة وجمالا وكأن قد أدالها من الخضم الزاخر وأثرها عليه بالعزة والسلطان.

لو سمح لي المجال ها هنا لأفعمت كتابا هائلا بوصف ما يعتاد المرء في الرحلة البحرية من سوانح الخيال فإن هذه السوانح لتطرد عندي إطرادا غير منقطع ولكنه قد آن لنا أن نعمد إلى الساحل.

وفي ذات صباح وضاء وضاح الجبين نودي من قمة الدقل (البر) ليس يتأتى لغير مجرب مكابد أن يدرك لذة ما ينثال على قلب الأمريكان من معسول الخواطر العذبة وشهي الإحساسات لدى أول رؤيته سواحل أوروبا. فإن مايقترن بهذا الاسم من السوانح والمعاني لجدير أن يملأ كتابا كاملا.

هذه هي الأرض الموعودة قد غصت بكل ما كان سمعه السائح الجوال في طفولته وتأمله أثناء دراسته.

وما زال ذهني منذ تلك اللحظة لحين وصولنا مثارا للخواطر الجياشة والعواطف المهتاجة. فكان في مشهد المدرعات الحائمة على الساحل كأنها الحرس من المردة وفي رؤوس إيرلندة الممتدة في الخليج وجبال ولز الشامخة فوق مجرى الغمام - مجال المتبصر. ومسرح المتفكر.

ولما أصعدنا في (مرسى) استطلعت أنحاء السواحل بالمرقب فقر بعيني منظر الأكواخ الأنيقة الحسنة محلاة الأكتاف ببديع البساتين وخضر الرياض وأبصرت إطلالة دير دارسة مندثرة قد نسجت عليها يد البلى حللا قشيبة من الأعشاب ورأيت مستدق ذؤابه البرج من كنيسة قروية مشرفة من جبهة تل مجاور وهذه كلها من معالم انكلترا الخاصة وآياتها المميزة.

كانت حركة المد والجزر إذ ذاك ومهب الريح مؤاتية مساعفة فتسير للسفينة أن تبلغ رصيف المرفأ للتو والساعة. وكان غاصا بالنظارة من اللاهين وبغير هؤلاء من الأحباب الواجدين المتلهفين شوقا إلى لقاء الخلان والأقارب وقد استطعت أن أميز من