للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفسه من القيود والأغلال يبدو في مظاهر شتى من الخطأ والانحراف والزلل لقد أسف على ما كان منه من احتقاره الطريق الوحيد المؤدي إلى العلم والعرفان أعني الطريق الوعر الطويل المتعب الممل وازدراء الشرط الأول الأساسي لبلوغ النبوغ والمجد والخلود أعني الكد والكدح والدؤوب. أجل لقد أحزنه ذلك وأسفه ولن يتمالك كتمان هذا الحزن والأسف ولا استطاع تهوينا لبرحاء شجنه وغلواء كمده بل أطلق العنان لثائر غضبه ووجدها فأمر بجميع ما لديه مكن رسومه وصوره التي صنعها خلوة من سمات الإتقان والإجادة صفرا من آيات النبوغ والعبقرية فأخرجت من متحفه (أي غرفة تصويره) ثم أحرقت:

وحبس نفسه في متحفه وامتنع عن الطعام والشراب وتفرغ قلبا وقالبا للعمل يعكف عليه كالتلميذ دنى وقت امتحانه. ولكن ما كان أضعف وأسخف وأحقر وأضأل كل ما فاض من ريشته: لقد كان يقوم في سبيل ريشته لدى كل سحابة عائق من الجهل بأبسط قواعد الصنعة. لقد حال هذا الجهل دون كل إلهام من وحي الخاطر وفيض القريحة وقام عقبة كؤودا وسدا منيعا دون وثبات الخيال وطموحاته.

وأخيرا ناجى نفسه قائلاأراني مدفوعا عن أدنى مراتب الإتقان ولا جرم فقد حيل بين العير والنزوان ولكن هل حقا كان لي في عهد الشباب ملكة وسليقة وهل كنت انطوي على سر العبقرية؟ أم كنت في نفسي مغشوشا مخدوعا؟.

وعلى إثر هذه المناجاة قام فتوجه غلى رسوماته القديمة - مأثورات عهد سشبابه البائس الطاهر ثمرات الروح النقية والنفس الزكية وحرية النبوغ وشذوذ العبقرية ثم أقبل على هذه الرسومات ينعم النظر فيها ويدقق ويتأمل ما خفي من حسناتها وما ظهر. ويتدبر ما برز من مزاياها واستتر. فلما استوعبها جميعا وعرف ما هنالك صاح صيحة منكرة ملؤها اليأس.

أجل لقد كان لي ملكة وسليقة وقد اوتيت براعة وعبقرية وهاتي آياتها بادية في كل خط من خطوط تلك الصور - وتلك آثارنا تدل علينا.

وهنا احتبس لسانه وعرته رعشة شملت جميع جسده ووقعت عيناه على عينين آخرين بالغرفة - أعني عيني تلك الصورة المشؤومة التي كانت السبب فيما انتابه اليوم من هذه