للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو في هذه الحال شبح العينين المخوفتين اللتين كانتا أصل بلائه فيورث ذلك المنظر المرعب أشد الألم وألذعه. وإذ ذاك يتناهى جنونه صورة وفظاعة وكان يخيل إليه أن كل من أحاط به من العواد صور منكرة تحملق إليه بأعين شنيعة. لقد تضاعفت الصورة الرهيبة لناظره حتى خيل إليه أن جدران الغرفة قد رصعت بالمئات منها وكأن العيون المخوفة تطل عليه من السقف ومن الأرض وعن يمينه ويساره ومن أمامه ومن خلفه وكأن الحجرة قد استطالت وتعرضت إلى ما لا نهاية له لتفسح المجال للمزيد من تلك العيون الشاخصة الرهيبة. وحاول الطبيب بعد أن عرف ما يعلمه العواد من ماضي حياته أن يدرك سر العلاقة ما بين رؤيا تلك الأشباح المزعجة وحوادث حياته فلم يفلح وذلك أن المريض لم يكن يدرك ولا يحس بسوى مضيض أوجاعه وآلامه ولم يفه سوى صرخات نكراء. ورطانة عجماء. ثم فاضت روحه أخيرا إثر نوبة من أفتك النوبات. ولم يعثر بعد وفاته على شيء ما من ثروته الواسعة. ولكنهم لما أصابوا أنقاض ما حطمت يداه من أروع بدائع الفن وأغرب محاسن الصناعة مما يربو ثمنه على المليون أدركوا ما بددت في سبيله تلك الأموال الجسيمة.

الفصل الثاني

ازدحمت طائفة من المركبات على باب بيت كان معقودا فيه جلسة مزاد علني على مخلفات رجل من عشاق فن التصوير ممن ينفقون ثروة أجدادهم في اقتناء الطرف الأحاسن من آثار هذه الصنعة.

كانت الردهة غاصة بالوفود والزوار من كل صنف وطبقة كأنهم جوارح الصقور والعقبان تحوم على جثث القتلى. وكان من بين هؤلاء فيلق كامل من تجار الصور وباعة الثياب القديمة قد طرحوا على وجوههم ما يلبسونه عادة للزبائن من علامات الملق والخداع والنفاق والمداهنة وسيما التذلل والخضوع والمسكنة وبدت في ألوانها الطبيعية هادئة ثابتة بالرغم من التصاقهم في ذلك المكان بنفوس أولئك الزبائن الأرستقراطيين الذي لو لاقوهم في حوانيتهم لخروا لهم ركعا ولكنسوا التراب المتساقط من نعالهم. لقد أولئك التجار والباعة في تلك الردهة وقفة الوداع المطمأن المطلق من قيود الكلفة والاحتشام لا يبالي ولا يحفل بمن حوله كائنا من كان وطفقوا يقلبون الصور والرسوم ليتأكدوا قيمها وأقدارها. وكان ن