للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك بلغاتهم وآدابهم وما أفاء الله عليهم ومكن لهم فيه. ثم لم يشفقوا أن يبتلوا تاريخهم بالعقوق وهو الثكل الذي لا عزاء معه فأرادونا على أن نخلع بأنفسنا عن هذا التاريخ لا نعطيه طاعة، ولا نبايع له منا عن جماعة، ثم نكون كزنوج إفريقيا إذا غابت عنهم الشمس غاب عنهم التاريخ وإذا طلعت عليهم استأنفوا تاريخاً جديداً. أليسوا ينقمون منا أننا نشد أيدينا على لغة ليست لنا فلم لا ينقمون أننا نصرف وجوهنا إلى قبلة ليست في أرضنا؟ ثم يقولون أنهم يهجنون التصرف في اللغة وإرسال الألفاظ والأساليب على وجوهها العربية ويريدون أن يزيلوا التدبير في هذه الصناعة عن هذا الوجه لأنهم لا يحسنونه.

ولا ينفذون فيه إذا تعاطوه ويريدون فوق ذلك أن يطرحوا عنا كدَّ الصناعة لتكون من عجائبنا صناعة بلا كد.

ولعمري كيف يؤاتيهم هذا الأمر أو يستوسق لهم إلا إذا قلبوا أوضاع الكلام وزايلوا بين أوصاله وذهبوا فيه مذهب الترقيع في الخلق بالجديد وفي الجديد بالخلق.

لقد أهملنا اللغة ثم أهملناها حتى صارت معنا إلى حال من الجفوة جعلتها كالواغلة علينا والغريبة عنا وجعلتنا من نقص فهمنا فيها بحيث نضطر إلى التماس شيء غيرها نفهمه فصار إصلاح اللغة كأنه دُربة لإفسادنا وإفسادها فيما نتوهم دُربة لإصلاحنا وإنما هما خطتان لا تفضي كلتاهما إلى شر من أختها مبدأ أو منقلباً وأن أقبح ما ترى في شيئين أن يكون أحسن الرأي تركهما جميعاً.

زعموا أنهم يريدون أن تسهل الألفاظ وتنكشف المعاني وتكون الكتابة في استوائها وجمالها كصفحة السماء فهل البلاغة العربية إلا تلك وهل هذا أمر غير عربي؟ بلى وهل يعرفون أصلحهم الله أن الطفل يرى كل ما يدور في مسمعه من ألفاظ والديه كأنه إنما يتفق لهما اغتصاباً واعتسافاً واستكراهاً إذ لا يفهم من كل ذلك شيئاً إلا بمقدار ما يعتاد وعلى حسب ما تبلغ حاجته.

فلم لا يكون الرأي أن ينزل الآباء إلى لغات أطفالهم ويقتصر هذا المنطق الإنساني على المترادف والمتوارد من أسماء الألعاب الصبيانية وما يلتحق بها؟

ثم ما هو حكم العامي - وهو في كل أمة الطفل العلمي - بجانب أهل العلوم أتراه يلقف عنهم إلا بميزان تلك الغريزة الفطرية في الطفل الصغير مع أبويه فلم لا تمحي العلوم